356 مسألة : قالوا ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أن الأمور الواقعة من العباد ، بقضاء منه وحتم ، فقال : ( قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ) (1).
والجواب عن ذلك : أنه صلى الله عليه إنما قال ذلك لما تأول ما رأياه فى المنام ، لأنه روى أن الذى تأول منامه على أنه سيصلب فتأكل الطير من رأسه ، أظهر تكذيب نفسه ظنا منه بأن ذلك يعصمه من نزول ذلك فيه ، فقال مؤيسا له من هذا : قضى الأمر الذى فيه تستفتيان.
ويحتمل أن يريد أنه لما أخبر عن هذا الأمر وإخبار الأنبياء لا يكون إلا صدقا قال لهما : قضى الأمر الذى فيه تستفتيان ، تحقيقا لصدقه فيما خبر ؛ لأن القضاء قد يكون بمعنى الخبر ، كقوله تعالى : ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب ) (2) فالتعلق بذلك بعيد.
** 357 مسألة :
فى إزالتها عنه أخرى ، فقال : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ) [53].
والجواب عن ذلك : أن الآية قوية فى الدلالة على إضافة السوء إلى العباد ، دونه تعالى ؛ لأنه تعالى لو فعله فيهم لم يضف إلى الأنفس ، وظاهره أيضا يقتضى أن النفس أمارة بالسوء لا أنها فاعلة له ، فالتعلق بظاهره لا يمكن.
والمراد بالآية : وصف النفس بأنها تدعو إلى السوء للشهوة الحاصلة التى تقتضى التوقان إلى المعصية.
وقوله : ( إلا ما رحم ربي ) بأن يلطف ويعصم من الإقدام على ما تشتهيه
Page 394