367

لحمل (1) على أنه أراد الضلال منهم ، وذلك لا يصح عقلا وسمعا ، لأنه تعالى قد دعاهم إلى خلاف الضلال ، وبعث الأنبياء ليدعوهم إلى خلافه ، وقد قال تعالى : ( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون ) (2) فبين أنه أراد منهم خلاف الضلال ، وقال لموسى وهارون : ( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) فبين أنه لا يريد منهم إلا التذكر والخشية ، وذلك لا يطابق إرادته الضلال منهم ، بل يناقض ذلك وينافيه.

قال رحمه الله : ولئن جاز أن يعطيهم الزينة والأموال لكى يضلوا ، ليجوزن أن يبعث إليهم الأنبياء ليدعوهم إلى الضلال ، وذلك يوجب زوال الثقة بالكتاب والسنة والدلائل والنبوات!

وقد قيل : إن المراد به الإنكار لأن يعطيهم الأموال فى الدنيا لكى يضلوا ، لأنه لا يمتنع أن يكون القوم مجبرة ينسبون الضلال إليه تعالى وإلى أنه واقع بإرادته ، فقال موسى منكرا لذلك : ( ربنا ليضلوا عن سبيلك )! بمعنى أنك لم تفعل يا رب ما فعلته من الإنعام لكى يضلوا! وهذا كما يقول أحدنا لولده عند العتب واللوم : قد أعطيتك الأموال وأديتك وعلمتك لكى تعصينى ، على طريق الزجر عن معصيته.

وقد قيل : إن المراد به الاستفهام وإن حذف حرف الاستفهام عنه ، لما فى الكلام من الدلالة عليه ، فكأنه عليه السلام قال (3): يا رب أعطيتهم الأموال والزينة والأحوال فى الدنيا ليضلوا عن سبيلك؟ وأراد به نفى أن يكون فعل

Page 368