آدم لا يجوز أن يكون قد أشرك فى الحقيقة ، وكذلك حواء ، فإذا علم نفى ذلك عنهما لم يبق إلا رجوع الكلام إلى المذكور الآخر.
فإن قال : إن من حق الضمير أن يرد إلى المذكور المصرح فيجب أن يرد ذلك إليهما!
قيل له : لا فرق بين أن يكون الذكر قد تقدم على حد الجملة أو التفصيل أو الإضمار أو الاظهار ، فى أن الكلام الثانى قد يجوز رجوعه إلى أحدهما ، خصوصا إذا ثبت ذلك بالدليل ، فلا وجه للمنع مما ذكرناه.
واعلم أن تقدير الكلام : أنه خلق كل نفس منكم من نفس واحدة : الذكر والأنثى ، وجعل منها زوجها من النفس الواحدة ، ثم ساق الكلام فى وصف آدم وحواء ، وبين أنهما دعوا الله أن يرزقهما ذرية صالحة ، أو ولدا صالحا ، وأراد بذلك الجنس دون ولد واحد ، فقال تعالى : ( فلما آتاهما صالحا ) (1) يعنى فلما : أجابهما إلى ما طلبا فرزقهما الولد الصالح المشتمل على الذكر والأنثى ( جعلا له شركاء فيما آتاهما ) يعنى : الولد الذى رزقهما دونهما.
ومتى قدر الكلام على هذا الوجه (2) استقام أيضا فيه الجمع ، فيصح تعلق قوله تعالى : ( فتعالى الله عما يشركون ) بذلك ، لانه إذا أريد به الذكر والأنثى من الأنفس المخلوقة من النفس الواحدة صلح رد الكلام إليهما بذكر التثنية ، وإذا أريد به الأنفس المخلوقة التى هى جمع صلح وصفها بالجمع.
فإن قال : إذا كانا طلبا منه تعالى الولد الصالح ، فكيف يجوز أن يقول : ( فلما آتاهما صالحا ) فبين أنه أجابهما ثم ، يصف الولد الصالح بأنه أشرك مع الله غيره؟
قيل له : إنه أراد بقولهما : ( لئن آتيتنا صالحا ) ولدا صالحا : صحيحا ، قوى
Page 310