والمراد بذلك : أن قوما من الكفار كانوا يرصدون الرسول عليه السلام ليقفوا على مكانه ، ويستدلوا بقراءته القرآن على موضعه ، فيؤذونه بالقول والفعل. وهو الذى أراده بقوله تعالى : ( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ) (1) فكان تعالى يحدث فيهم شواغل ، كالنوم وغيره ، فيذهبون عما يريدون ويفوتهم ما يحاولون ، فوصف تعالى ذلك بأنه كن على قلوبهم ووقر فى آذانهم ، على جهة التشبيه ، ولو كانوا فى الحقيقة لا يفقهون ولا يميزون القرآن من غيره ، ولا الرسول من سواه لم يكن لهذا القول معنى ، ولزال عن الرسول عليه السلام أذاهم على كل حال. ولو كان تعالى صيرهم بهذه الصفة لم يكن لجعله بينهم وبينه حجابا مستورا معنى ، لأن حصول ذلك كعدمه فى أنهم كانوا لا يسمعون ولا يميزون.
ويحتمل أن يريد بذلك : أن تمكن الكفر فى قلوبهم لما منعهم من أن يفقهوا القرآن ويسمعوه سماع المتدبر ، صار بمنزلة الكن والوقر ، فأضافه تعالى إلى نفسه لما بين من حالهم هذه الطريقة ، فكما يقال لمن بين حال غيره : جعله فاسقا ولصا ، فكذلك لا يمتنع ما ذكرناه (2)
ويحتمل أن يكون المراد به : أنهم بمنزلة الممنوع لإعراضهم عن سماع ذلك وتدبره ، وكما يقال لمن بين له فلم يتبين : إنه حمار بهيمة على جهة المبالغة ، فكذلك ما قلناه. ولو لا ما ذكرناه لم يكن لقوله ( وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ) معنى ، لأن من لا يمكنه أن يسمع ويفقه لا يجوز أن يوصف بذلك ،
Page 241