والجواب عن ذلك : أن الواحد منا قادر فى الحقيقة على قتل نفسه ، كما يقدر على الخروج من داره ، وإن شق ذلك عليه من حيث الألم ، ومن جهة أنه يقطعه عن الحياة والمنافع ، فلو أنه تعالى كلف المرء ذلك لم يكن قد كلف ما لا يطاق. ويفارق ما يقوله القوم من تكليف الكافر الإيمان ولم يقدره عليه ، ولا أوجده السبيل إليه. بل فعل فيه أضداده ، ولو لم يكن ذلك ممكنا مقدورا لم يصح أن يقع من القليل منهم (1)، لأن ما لا يستطاع لا يقع من أحد البتة.
وإنما أراد تعالى بذلك أن يبين أنهم لن يفوزوا بالثواب إلا بعد تكليف طاعة الله وطاعة رسوله عليه السلام ، وأن لا يعدلوا عما قضاه الله وقضاه رسوله ، بعثا لهم على التمسك بالتكليف وإن شق.
فإن قال : فيجوز عندكم أن يكلف الإنسان قتل نفسه فى الحقيقة أم لا؟
قيل له : إن ظاهر الآية لا يدل فى ذلك على منع أو جواز ، لأنه تعالى قال : ( ولو أنا كتبنا ) وقد يقدر الشيء الذى لا يجوز كما يقدر الجائز.
فإن قال : فما قولكم فيه وإن لم يدل الظاهر عليه؟
قيل له : يبعد فى كمال العقل أن يكون واجبا على المرء ، لأنه لو وجب لم يكن ليجب إلا لكونه لطفا فى غيره ، ومن حق اللطف أن يتقدم الملطوف فيه ، وليس بعد القتل حال تكليف ، وإنما يصح ذلك على مذهب من يقول : إن اللطف يضام ما هو لطف فيه ، فأما مع وجوب تقدمه فبعيد (2).
( م 13 متشابه القرآن )
Page 193