Mutalacat Fi Lugha Wa Adab
مطالعات في اللغة والأدب
Genres
وإليك من كلام زياد ابن أبيه الذي ضرب المثل بفصاحته فقيل «أخطب من زياد»: فإن الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء والغي الموفي على النار ما فيه سفهاؤكم. إلى أن يقول: من ترككم الضعيف يقهر والضعيفة المسلوبة في النهار لا تنصر والعدد غير قليل والجمع غير متفرق. إلى أن يقول: إني لو علمت أن أحدكم قتله السل من بغضي لم أكشف له قناعا ولم أهتك له سترا ... إلخ.
عندك هنا: الجهالة الجهلاء، والضلالة العمياء، والضعيف يقهر، والضعيفة لا تنصر، والكشف والهتك، والقناع والستر، فماذا يقال لهذا إن لم يكن مترادفا؟! ولماذا هذا يجوز ويستشهد به في أنموذجات البلاغة ويعاب قولنا: «وأما هذه النعرة الجنسية والحمية القومية وإن عم أمرها جميع الأمم ولم يخل منها عرب ولا عجم ... إلخ.»
ولعبد الملك بن مروان ومكانه من البلاغة والفصاحة مكانه: فتنزل بكم جائحة السطوات، وتجوس خلالكم بوادر النقمات، وتطأ رقابكم بثقلها العقوبة فتجعلكم همدا رفاتا، وتشتمل عليكم بطون الأرض أمواتا ... إلخ. ما هو المعنى الجديد بين «جائحة السطوات» و«بوادر النقمات»، وبين «تجعلكم رفاتا» و«تشتمل عليكم الأرض أمواتا؟» أم تقول هذا حشو ولو صدر من عبد الملك بن مروان. كلا أيها الأديب هذا تكرار وتأكيد من سلطان يريد أن يرهب رعيته وينذر قومه حتى يستقيموا على الطاعة، وهو أبلغ وأوفى بالغرض من الكلام الذي قل ودل والذي ليس فيه تكرار معنى؛ بل هو أوقع في نفوس السامعين مما لو اقتصرنا على قوله: «فتنزل بكم جائحة السطوات وتطأ رقابكم العقوبة فتجعلكم رفاتا.»
وإليك من الحجاج بن يوسف من خطبة على أهل العراق: إنني لأرى رءوسا قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، والله كأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى. إلى أن يقول: لقد فررت عن ذكاء وفتشت عن تجربة وأجريت من الغاية، وإن أمير المؤمنين عبد الملك نثر كنانته بين يديه فجمع عيدانها عودا عودا فوجدني أمرها عودا وأشدها مكسرا، فوجهني إليكم ورماني بكم يا أهل الكوفة يا أهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق؛ لأنكم طالما أوجفتم في الفتنة واضطجعتم في منان الضلال وسننتم سنن البغي، وايم الله لألحونكم لحو العود ولأقرعنكم قرع المروة. والله لا أحلف إلا صدقت، ولا أعد إلا وفيت ... إلخ. ثم يقول: فاستوثقوا واعتدلوا ولا تميلوا واسمعوا وأطيعوا وشايعوا وبايعوا. ا.ه.
تذكر تهكم صاحب المقالة بمن تمادى في ضلاله ولج في غوايته، وقابل ذلك بقول الحجاج هنا وتكريره ثلاث فقر متتابعة في معنى الفتنة والضلال والغي، ثم تدبر قول الحجاج: اعتدلوا ولا تميلوا، فإن الاعتدال وعدم الميل شيء واحد، ثم قوله: اسمعوا وأطيعوا وشايعوا وبايعوا، وكل هذا متقارب المعنى من قبيل الشقص الأوفر والحظ الأكمل» التي عابها علينا.
وخذ ما قاله أبو بكر الصديق لأبي عبيدة بن الجراح حينما أرسله إلى علي - رضي الله عنهم جميعا - عندما تلكأ علي عن المبايعة وهو من جملة كلام: «ولئن لم يندمل جرحه بيسارك ورفقك ولم تجب حيته برقيتك وقع اليأس وأعضل البأس واحتيج بعد ذلك إلى ما هو أمر منه وأعلق وأعسر منه وأغلق، والله أسأل تمامه بك ونظامه على يديك، فتأت له أبا عبيدة وتلطف فيه وانصح لله - عز وجل - ولرسوله
صلى الله عليه وسلم
غير آل جهدا ولا قال حمدا والله كالئك وناصرك وهاديك ومبصرك إن شاء الله. امض إلى علي، أخفض له جناحك، واغضض عنده صوتك، واعلم أنه سلالة أبي طالب ومكانه ممن فقدناه بالأمس
صلى الله عليه وسلم
مكانه، وقل له: البحر مغرقه والبر مفرقه، والجو أكلف والليل أغدف، والسماء جلواء، والأرض صلعاء، والصعود متعذر، والهبوط متعسر، والحق عطوف رءوف، والباطل عنوف عسوف، والعجب قداحة الشر، والضغن رائد البوار، والتعريض شجار الفتنة، والقحة ثقوب العداوة.» إلى أن يقول: «ما هذا الذي تسول لك نفسك، ويدوي به قلبك ويلتوي عليه رأيك ويتخاوص دونه طرفك، ويسري فيه ظعنك، ويتراد معه نفسك، وتكثر عنده صعداؤك، ولا يفيض به لسانك. أعجمة بعد إفصاح، أتلبيس بعد إيضاح.» إلى أن يقول: «زمان كنت فيه في كن الصبا وخدر الغرارة وعنفوان الشبيبة.» ومثله قول الرسول
Unknown page