Mutalacat Fi Lugha Wa Adab
مطالعات في اللغة والأدب
Genres
نصر ينصر.
علم يعلم ... إلخ.
ويدلك على أن تلاعب اللسان هو سبب هذا الاختلاف أن الأبواب الثلاثة الأولى أكثر استعمالا، وقد وقع هذا الاختلاف في عين الفعل لأنها متحركة في أصل وضعها، فهي عرضة لتلاعب اللسان، فجاءت تارة مفتوحة وتارة مكسورة وتارة مضمومة، ثم قد تتفق عين الماضي وقد تختلف، أما اتفاقها فلأن الصيغتين من أصل واحد، وأما اختلافها فلا سبب له غير تلاعب اللسان، ويدلك على ذلك أن الفعل الواحد قد يجيء على بابين أو أكثر من هذه الأبواب، فلو كان هناك سبب طبيعي، أو قصد اعتباري، لما جاز ذلك؛ بل إذا أخذنا فعلا من الأفعال الثلاثية ولم نكن نعرف أصله فلا نستطيع أن نحكم أنه من هذا الباب أو ذاك؛ إذ ليس لدينا قياس نعتمد عليه، وهذه حالة في اللغة لا تنطبق على مذهب النشوء والارتقاء، أي لو بقيت اللغة مطلقة لصار لكل باب من هذه الأبواب معنى خاص لا تجيء عليه إلا أفعال خاصة كما وقع ذلك في البعض من هذه الأبواب قبل عهد التدوين، فإن الأفعال التي تدل على عيب في الخلقة لا تجيء إلا من باب «علم يعلم» مثل: «خرس يخرس» و«طرش يطرش»، وإن كان غيرها يجيء عليه أيضا وعلى غيره، والأفعال التي تدل على الغرائز يجيء أكثرها على باب «كرم يكرم»، مثل: «شرف يشرف» و«حسن يحسن»، والأفعال التي عينها أو لامها حرف حلق يجيء أكثرها على وزن «فعل يفعل» بفتح العين في الماضي والمضارع لسهولة لفظ الحرف الحلقي مع الفتح، وباب «حسب يحسب» أغلب ما يجيء عليه الأفعال المبدوءة بواو، مثل: «ورث يرث» و«ولي يلي» ...
فأنت ترى أن الأفعال الثلاثية في اللغة العربية مرت على دورين ووقفت عند الدور الثالث. أما الدور الأول فهو الذي كانت فيه صيغتا الماضي والمضارع متشابهتين، وأما الدور الثاني فهو الدور الذي وقع فيه الاختلاف بينهما، وأما الدور الثالث فهو أن يختص كل باب بمعنى أو معنيين أو أكثر، ولكن جاء التدوين فوقف في وجه الدور الثالث، وإن كانت قد ظهرت طلائعه حينئذ كما تقدم.
وتتميز صيغة المضارع عن صيغة الماضي بموضع علامة الفاعل؛ فإن كانت في آخر الفعل فالفعل ماض، وإن كانت في أوله فالفعل مضارع، ولا نستطيع أن نعتمد في التمييز بينهما على ما وقع في الصيغتين من الاختلاف؛ لأنهما قد تتشابهان كما تقدم. •••
العلامات التي نضعها في أول المضارع أربع، فكيف تكفي لأربعة عشر شخصا، كان يجب أن يكون لكل شخص علامة خاصة تميزه عن غيره كما رأينا في الماضي، وربما كان الفعل المضارع لأول عهده يصرف بالعلامات الأربع، وهي: الهمزة والنون والتاء والياء. أما الهمزة فمأخوذة من «أنا»، وأما النون فمن «نحن»، وأما التاء فمن «أنت»، أو الهاء من «هي» بعد أن قلبت تاء، وأما الياء فمأخوذة من الهاء في «هو» بعد أن مرت على أدوار مختلفة مجهولة. ولما وقع الاشتراك بين عدة أشخاص في الياء؛ لأنه يشترك فيها أربعة أشخاص، وفي التاء؛ لأنه يشترك فيها ثمانية، لم يكن بد من مميز آخر؛ لئلا يقع الالتباس، فوضعوا هذه المميزات في آخره، فجعلوا للمثنى ألفا ونونا، ولجمع المذكر العاقل واوا ونونا، ولجمع المؤنث نونا، وللمخاطبة ياء ونونا، وكلها مأخوذة من أصول قديمة للضمائر المنفصلة لا تزال محفوظة في اللغتين العبرية والسريانية. •••
عرفنا أن علامة الفاعل تستعمل لغرضين: للفاعل والزمان، والمقصود من بيان الفاعل معرفة جنسه وشخصه وعدده؛ فإذا كان المضارع بعلامة واحدة، مثل: اذهب، ونذهب، ويذهب، وتذهب، فكل علامة تدل على أربعة أشياء: الزمان، وجنس الفاعل، وعدده، وشخصه؛ مثل: الياء في «يذهب»، والتاء في «تذهب»، فالياء تدل على أن الزمان حاضر، وأن الفاعل مذكر، وأنه مفرد، وأنه غائب. والتاء في «أنت تذهب» تدل على أن الزمان حاضر، وأن الفاعل مذكر، وأنه مفرد، وأنه مخاطب. إلا الهمزة والنون فإنهما تدلان على أن الزمان حاضر، وعلى عدد الفاعل وشخصه، ولا تدلان على جنسه؛ لأنهما تستعملان للمذكر والمؤنث على السواء.
وإذا كان المضارع بعلامتين في أوله وآخره فما ينقص في الأولى تكمله الثانية، وعليه فالياء في «هو يذهب» و«هما يذهبان» و«هن يذهبن» ليست متساوية في الدلالة، فالياء في «يذهب» تدل على أربعة أشياء: على الزمان، وجنس الفاعل، وعدده، وشخصه. وفي «يذهبان» تدل على الزمان، وجنس الفاعل، وشخصه، ولكنها لا تدل على عدده؛ لأنها موضوعة للمفرد، وهي هنا للمثنى، والياء في «يذهبن » تدل على شيء واحد وهو الزمان، ولا تدل على جنس الفاعل؛ لأنها موضوعة للمذكر، وهي هنا للمؤنث، ولا تدل على عدده؛ لأنها موضوعة للمفرد، وهي هنا للجمع، ولا تدل على شخصه؛ لأنها موضوعة للغائب، وهي هنا للغائبات، فأغنت عنها في ذلك كله النون في الآخر. وأما النون في «أنتن تذهبن» فلا تدل على ما تدل عليه النون في «هن يذهبن»؛ لأن التاء في «أنتن تذهبن» تدل على أن جنس الفاعل مؤنث؛ لأن التاء تستعمل للمذكر والمؤنث، وأن شخصه مخاطبه؛ لأن التاء تستعمل للمخاطب والمخاطبة، فلا يبقى إلا العدد فتدل عليه النون، فالنون في «هن يذهبن» تدل على جنس الفاعل وعدده وشخصه، والنون في «أنتن تذهبن» لا تدل إلا على العدد. ومع وجود العلامتين في أول المضارع وآخره فإن بعض صوره تتشابه، مثل: «أنتما تضربان» للمخاطبين، و«أنتما تضربان» للمخاطبتين، و«هما تضربان» للغائبتين؛ لذلك لا بد من الاعتماد على القرينة في التمييز بين الصورة الواحدة والأخرى. •••
وعلامة الفاعل في أول المضارع كانت في الأصل تحرك بالفتح، أو الكسر، أو الضم، بدون ضابط. ثم استقرت على الفتح؛ لأنه أخف الحركات، وإنما تضم في الأفعال الرباعية؛ لتتميز عن الفعل الثلاثي، ولا يقع التباس في مضارع الثلاثي والرباعي إلا في وزن «أفعل»، فإن مضارع «رجع» «يرجع»، ومضارع «أرجع» «يرجع»، ولولا ضمة الياء في مضارع «أرجع» لالتبس بمضارع «رجع»، ثم ضمت مع بقية الأفعال الرباعية طردا للباب.
وقد ورد في بعض لغات العرب كسر حرف المضارعة في باب «علم» وما افتتح بهمزة الوصل، وعليه يروى قول الراجز:
Unknown page