Al-Mustaṣfā
المستصفى
Investigator
محمد عبد السلام عبد الشافي
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٣هـ - ١٩٩٣م
فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ مَا لَمْ يَقُلْ " سَمِعْت النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ نُسِخَتْ آيَةُ كَذَا " لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَرَى مَا لَيْسَ بِنَسْخٍ نَسْخًا، وَهَذَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْإِخْبَارِ، وَهُوَ أَصْلُ السُّنَّةِ فِي الْقُطْبِ الثَّانِي
[مَسْأَلَةٌ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ قَضَى النَّبِيُّ ﷺ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَبِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ]
ِ» كَقَوْلِهِ: " نَهَى " فِي أَنَّهُ لَا عُمُومَ لَهُ لِأَنَّهُ حِكَايَةٌ، وَالْحُجَّةُ فِي الْمَحْكِيِّ، وَلَعَلَّهُ حَكَمَ فِي عَيْنٍ أَوْ بِخِطَابٍ خَاصٍّ مَعَ شَخْصٍ فَكَيْفَ يُتَمَسَّكُ بِعُمُومِهِ فَيُقَالُ مَثَلًا يُقْضَى بِالشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ فِي الْبُضْعِ أَوْ فِي الدَّمِ؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَ أَطْلَقَ مَعَ أَنَّ لِلرَّاوِي أَنْ يُطْلِقَ. هَذَا إذَا رَآهُ قَدْ قَضَى فِي مَالٍ أَوْ فِي بُضْعٍ بَلْ لَوْ قَالَ الصَّحَابِيُّ: " سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَضَيْتُ بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ " فَهَذَا يَحْتَمِلُ الْحِكَايَةَ عَنْ قَضَاءٍ لِجَارٍ مَعْرُوفٍ، وَيَكُونُ الْأَلِفُ، وَاللَّامُ لِلتَّعْرِيفِ وَقَوْلُهُ: " قَضَيْتُ " حِكَايَةُ فِعْلٍ مَاضٍ. فَأَمَّا لَوْ قَالَ " قَضَيْت بِأَنَّ الشُّفْعَةَ لِلْجَارِ " فَهَذَا أَظْهَرُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى التَّعْرِيفِ لِلْحُكْمِ دُونَ الْحِكَايَةِ، وَلَوْ قَالَ الرَّاوِي: " قَضَى النَّبِيُّ ﵇ بِأَنَّ الشُّفْعَةَ لِلْجَارِ " اخْتَلَفُوا فِيهِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ عَامًّا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَضَى فِي وَاقِعَةٍ بِأَنَّ الشُّفْعَةَ لِلْجَارِ؛ فَدَعْوَى الْعُمُومِ فِيهِ حُكْمٌ بِالتَّوَهُّمِ.
[مَسْأَلَةٌ دَعْوَى الْعُمُومِ فِي وَاقِعَةٍ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ قَضَى فِيهَا النَّبِيُّ]
مَسْأَلَةٌ لَا يُمْكِنُ دَعْوَى الْعُمُومِ فِي وَاقِعَةٍ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ قَضَى فِيهَا النَّبِيُّ ﵇ بِحُكْمٍ، وَذَكَرَ عِلَّةَ حُكْمِهِ
أَيْضًا إذَا أَمْكَنَ اخْتِصَاصُ الْعِلَّةِ بِصَاحِبِ الْوَاقِعَةِ، مِثَالُهُ: حُكْمُهُ فِي أَعْرَابِيٍّ مُحْرِمٍ وَقَصَتْ بِهِ نَاقَتُهُ: «لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إمَّا لِأَنَّهُ وَقَصَتْ بِهِ نَاقَتُهُ مُحْرِمًا لَا بِمُجَرَّدِ إحْرَامِهِ أَوْ لِأَنَّهُ عَلِمَ مِنْ نِيَّتِهِ أَنَّهُ كَانَ مُخْلِصًا فِي عِبَادَتِهِ، وَأَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا، وَغَيْرُهُ لَا يُعْلَمُ مَوْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَضْلًا عَنْ الْإِخْلَاصِ، وَكَذَلِكَ قَالَ ﵇ فِي قَتْلَى أُحُدٍ «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ، وَدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ، وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخَبُ دَمًا» يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِقَتْلَى أُحُدٍ خَاصَّةً لِعُلُوِّ دَرَجَتِهِمْ أَوْ لِعِلْمِهِ أَنَّهُمْ أَخْلَصُوا لِلَّهِ فَهُمْ شُهَدَاءُ حَقًّا، وَلَوْ صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ خَاصِّيَّتُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَاللَّفْظُ خَاصٌّ، وَالتَّعْمِيمُ وَهْمٌ، وَالشَّافِعِيُّ ﵀ تَعَالَى عَمَّ هَذَا الْحُكْمَ نَظَرًا إلَى الْعِلَّةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِسَبَبِ الْجِهَادِ، وَالْإِحْرَامِ، وَأَنَّ الْعِلَّةَ حَشْرُهُمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَعِلَةُ حَشْرِهِمْ الْجِهَادُ أَوْ الْإِحْرَامُ وَقَدْ وَقَعَتْ الشَّرِكَةُ فِي الْعِلَّةِ.
وَهَذَا أَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ، لَكِنَّ خِلَافَهُ - وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي - مُمْكِنٌ وَالِاحْتِمَالُ مُتَعَارِضٌ، وَالْحُكْمُ بِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالْعُمُومِ إنَّمَا أُخِذَ مِنْ الْعَادَةِ، وَمِنْ وَضْعِ اللِّسَانِ، وَلَمْ يَثْبُتْ هَهُنَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ لَا وَضْعٌ، وَلَا عَادَةٌ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْعُمُومِ.
[مَسْأَلَةٌ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ قَدْ يَظُنُّ لِلْمَفْهُومِ عُمُومًا]
، وَيَتَمَسَّكُ بِهِ،
، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعُمُومَ لَفْظٌ تَتَشَابَهُ دَلَالَتُهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُسَمَّيَاتِ، وَالْمُتَمَسِّكُ بِالْمَفْهُومِ، وَالْفَحْوَى لَيْسَ مُتَمَسِّكًا بِلَفْظٍ بَلْ بِسُكُوتٍ، فَإِذَا قَالَ ﵇: «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ» فَنَفْيُ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ لَيْسَ بِلَفْظٍ حَتَّى يَعُمَّ اللَّفْظُ أَوْ يَخُصُّ، وقَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء: ٢٣] دَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ لَا بِلَفْظِهِ الْمَنْطُوقِ بِهِ حَتَّى يُتَمَسَّكَ بِعُمُومِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْعُمُومَ لِلْأَلْفَاظِ لَا لِلْمَعَانِي، وَلَا لِلْأَفْعَالِ.
1 / 239