Kitab al-Mustarsid
كتاب المسترشد
Genres
باب تفسير قوله السميع والرد على من قال إنه سبحانه يسمع بجارحة
إن سأل سائل: عما ذكر الكريم في القرآن من قوله: { وهو السميع العليم } [الأنعام: 13]، فقال ما معنى السميع عندكم وما معناه في أصل قولكم؟.
قيل له: يخرج ذلك على معان أربعة معلومة معروفة عند جميع العرب مفهومة.
فأولهن: أن يكون معنى سميع هو عليم، والحجة في ذلك قول الرحمن الرحيم: { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون } [الزخرف: 80]، والسر هو ما انطوت عليه الضمائر ولم يبد، فذلك أسر السرائر، والنجوى هو ما يتسار به ويخفيه المتناجون من الكلام والمحاورة في ما يخفون ويكتمون. والسر الذي في القلوب فلن يسمع؛ لأنه مستجن لم يبن فيشرح ويسمع، وإنما يسمع ما ترجمه اللسان، وباح به ضمير الإنسان، وإنما أراد ذو الجلال بما قال في ذلك من المقال التوبيخ لهم والإخزاء، والتوقيف على ما يأتون به من الخطأ، إذ يتوهمون أن الله يخفى عليه خافية، سرا كانت أو علانية، فقال: { أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم } [الزخرف: 80] يقول: لا نعلم ونحيط من أمرهم ما يكتمونه من سرهم، ويكنونه في غيابات ضمائرهم.
والمعنى الثاني: في اسم الواحد الباري أن يكون السميع هو المجيب للداعين، ممن دعاه من عباده المؤمنين، والحجة في ذلك فما حكى الواحد الكريم عن نبيئه زكريا وخليله إبراهيم، حين يقول زكريا: { رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء } [آل عمران: 38]، وقول خليله إبراهيم الأواه الحليم: { إن ربي لسميع الدعاء } [ابراهيم: 39]، يعني عليه السلام: إن ربي لمجيب لمن يشاء من الأنام، وفي ذلك ما تقول العرب لمن سأل من الله أو طلب: (سمع الله دعاك)، أي: أجاب طلبتك.
Page 186