الفصل الثالث
النغمات
النغمات هي جمع نغمة بمعنى الصوت الفرد الساذج حسبما تقدم ذكره وقد تتركب وتترتب بتراتيب مختلفة؛ سواء قرنت بكلام أم لم تقرن، وإنها بهذا الاعتبار يقال لها مقامات وتسمى بأسماء مخصوصة. وهي جمع مقام بالفتح وهو ما ركب من نغمات ورتب ترتيبا مخصوصا وسمي باسم مخصوص، وإن عدة المقامات ثمانية وعشرون مقاما حسبما قرره علماء هذا الفن وهي تنقسم إلى أصول وفروع:
أما الأصول فعدتها سبعة فقط وهي مسماة بأسماء مرتبة بعضها فوق بعض بالترقي درجة، فدرجة حسب مراتب العدد المسرود على التوالي أولها (يكاه) وثانيها (دوكاه) وثالثها (سيكاه) ورابعها (جهاركاه) وخامسها (بنجكاه) وسادسها (ششكاه) وسابعها (هفتكاه) - وكل من هذه الأسماء السبعة مركب من كلمتين فارستين إحداهما وهي (كاه) بالكاف الفارسية القريب مخرجها من مخرج الجيم بمعنى مقام والأخرى وهي (يك) في الأولى بمعنى واحد و(دو) في الثاني بمعنى اثنين و(سي ) في الثالث بمعنى ثلاثة و(جهار) في الرابع بمعنى أربعة و(بنج) في الخامس بمعنى خمسة (وشش) في السادس بمعنى ستة و(هفت) في السابع بمعنى سبعة - وهذا التركيب، إما إضافي بمعنى مقام الواحد مقام الاثنين مقام الثلاثة على آخره أو توصيفي بمعنى المقام الأول المقام الثاني المقام الثالث وهكذا جريا على ما هو عادتهم من التقديم والتأخير في التركيب حسب لغتهم - ثم إن بعض هذه السبعة قد بقي على حاله في التسمية وهو الدوكاه والسيكاه والجهاركاه وبعضها قد سمي اسم آخر زيادة على السمة الأول حيث سمت العرب البنجكاه (بالنوا) والششكاه (بالحسيني) والهفتكاه بالعراقي تارة وبالأوج أو الأويح أخرى؛ نظرا إلى أنه الأعلى؛ إذ هو السابع - وسمت الفرس بالكاء بالراست، وهي كلمة فارسية اجتمع فيها ساكنان الألف والسين المهملة ومعناه (المستقيم) وإنما زادوه هذا الاسم على اسم المقر الذي هو اليكاه؛ نظرا إلى تركيبة الجاري على الترتيب الطبيعي؛ حيث بدئ فيه بالأول بخلاف البقية إذ بدئ في الدوكاه بالثاني، وفي السكاه بالثالث وهكذا إلى الأوج، فكان بسبب ما حازه من تلك المزية جديرا بأن يزاد هذا الاسم الدال على الاستقامة دونها؛ حيث لم يكن التركيب في شيء منها جاريا على الترتيب - ثم صار اليكاه اسما لمقر النوا فتأمل.
والسبعة الأصول المتقدم بيانها هي كلم الدرجة فوق الأخرى، فلم يكن البعد بينها متساويا، بل إن بعضها يبعد عن بعض أكثر وبعضها أقل، وهذه القضية موضع خلاف بين الموسيقيين من العرب والإفرنج، وحيث كان الغرض من كتابنا هذا التكلم على الموسيقى العربية أكثر، فنقول: إن العرب يقسمون البعد الكائن بين السبعة الأصول على رتبتين كبيرة وصغيرة؛ فالكبيرة ما كان البعد بين البرجين المتجاورين أربعة أرباع - والصغيرة ما كان البعد فيها ثلاثة أرباع كما - سنشرحه بعد - وقد رسمنا لها سلما موضوعا عليه الدرجات السبع التي يضاف إليها ثامنة، وهي الجواب وهذه صورته:
وقد جعلوا لهذه الدرجات أو النغمات السبع ثلاثة دواوين محتوية عليها بعينها والمخالفة في ارتفاع كل ديوان عن الآخر - فإن السبعة التي في الديوان الثاني أعلى من التي في الديوان الأول، والتي في الديوان الثالث أعلى من التي في الديوان الثاني، فيكون الديوان الأول هو الأصل والديوانان الآخران فرعين منه، وقد جعلوا الديوان الثاني جوابا للأول، والثالث جوابا للثاني، وسموا جواب أول نغمة من الديوان الأول وهي الراست (بالكردان) وهي عين الأولى، وهكذا حتى أنك لو وصلت إلى الرابعة عشرة لكانت عين السابعة، ولو إلى الخامسة عشرة لكانت عين الثامنة التي هي الأولى بعينها وهلم جرا.
وجواب ثاني نغمة من الديوان الثاني وهي الدوكاه (بالمحير) وجواب السيكاه (بالبزرك) وجواب الجهاركاه (بالماهوران) وجواب النوا (بالرمل توتي). ثم كرروا لفظة الجواب فيما وراء ما تقدم، فقالوا في السبع الثالثة أي الديوان الثالث جواب كذا.. إلخ.
وأما الفروع فعدتها واحد وعشرون فرعا، وهي تنقسم بالقسمة الثلاثية إلى عربات ونيمات عربات، وتيكات عربات؛ نظرا إلى مقادير مسافة البعد فيما بين الدرجات، وبيان هذا أن مسافة البعد الواقعة فيما بين كل أصلين من السبعة المتقدمة قد تكون كاملة وتسمى بردة، وقد تكون ناقصة وتسمى عربة أو نيم عربة أو تيك عربة، فإذا رفعت صوتك مبتدئا بدرجة من الدرجات السبع التي هي الأصول وانتقلت منها، فإما أن نقطع مسافة البعد التي بينها وبين الدرجة التي تليها وتنتهي إليها، وإما أن تقطع نصف المسافة أو ربعها أو ثلاثة أرباعها فقط، وتقف ثمة، فإن أنت قطعتها بأجمعها وانتهيت إلى الدرجة، كنت واقفا على البردة وكانت مسافة البعد كاملة، وإن قطعت نصفها ووقفت كنت واقفا على العربة، أو ربعها فقط كنت واقفا على تيم العربة أي: نصفها ونصف النصف ربع، أو ثلاثة أرباعها كنت واقفا على تيك العربة وكانت المسافة على كل ناقصة، وبهذا تبين أن عدة العربات سبع، وكذا عدة كل من التيمات والتيكات ضرورة.
ولكن بعض المقامات ينقصها تيكات كما سبق الكلام، فإن من الراست إلى الدوكاه (4) ومن الدوكاه إلى السكاه (3) ومن السيكاه إلى الجهاركاه (3) ومن الجهاركاه إلى لانوا (4) ومن النوا إلى الحسيني (4) ومن الحسيني إلى الأوج (3) ومن الأوج إلى الكردان (3).
فيكون الديوان مركبا حينئذ من أربعة وعشرين ربعا فقط لا من ثمانية وعشرين - ولكنهم قالوا ثمانية وعشرين باعتبار أن كلا من التيمات والتيكات سبعة - ولكن هذا سهو منهم كما يتضح لحضرة المطلع من ترتيب السلم السابق الذي وضعناه؛ حيث إن ثلاثة الخطوط البيضاء دليل على المقام الناقص، والخطوط الأربعة التي منها اثنان أسودان أحدهما من تحت والثاني من فوق، وبينهما اثنان أبيضان دليل على المقام التام.
Unknown page