Mushkilat Culum Insaniyya
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
Genres
9
ويكون التعبير المنطقي عن القابلية للتكذيب كالآتي: تكون النظرية قابلة للتكذيب - أي علمية - إذا كانت تقسم فئة كل العبارات الأساسية المحتملة تقسيما واضحا إلى الفئتين اللافارغتين:
فئة كل العبارات الأساسية التي لا تتسق النظرية معها، أي التي تستبعدها وتمنعها، فإن حدثت أصبحت النظرية كاذبة، وهذه هي فئة المكذبات المحتملة
للنظرية.
فئة كل العبارات الأساسية التي تتسق النظرية معها ولا تناقضها، وهي العبارات التي تسمح بها النظرية.
الخطورة والتعويل في السمة العلمية على الفئة الأولى بحيث ننتهي إلى الآتي: تكون النظرية قابلة للتكذيب إذا كانت فئة مكذباتها المحتملة ليست فارغة، هكذا تتم عملية الكشف عن القابلية للتكذيب - أي التحقق من السمة العلمية - وتتم عملية التكذيب؛ أي التحقق من السمة العلمية، وتتم عملية التكذيب؛ أي إمكانية مواجهة القضايا بالواقع التجريبي، مواجهة تتم بناء على العبارات الأساسية.
بالنسبة للعبارات المفردة فإن إثبات كذبها - إذا كانت كاذبة - يمكن في التو واللحظة، وعلى الرغم من أن هذه العبارات أساس عملية التكذيب، فإنها ليست موضوع مشكلة التمييز بين العلم واللاعلم، فهذه مشكلة القضايا الكلية، صورة القوانين والنظريات، والطبيعة الكلية العمومية لقوانين ونظريات العلم تعني استحالة مواجهتها بالواقع التجريبي؛ لأنها تتحدث عن أفق لا نهائي، يستحيل حصره في فئة عبارات أساسية معينة في زمان ومكان معينين، يمكن إخضاع ما يضمانه لنطاق اختبار تجريبي، فكيف يمكن الكشف إذن عن كونها قابلة للتكذيب أو غير قابلة له؟ يمكن هذا عن طريق استنباط عبارات مفردة من النظرية، يسهل أن نواجهها بالوقائع، فيكون الاستدلال التكذيبي استدلالا استنباطا صرفا هابطا من الكليات إلى جزئيات، لكن مجرد استنباط عبارات مفردة من النظرية لا يعني أن النظرية علمية؛ إذ لكي نستنبط عبارات مفردة من النظريات - التي هي كلية - سنحتاج حتما إلى عبارات مفردة أخرى تمثل الشروط المبدئية لما يجب أن تخضع له متغيرات النظرية، وفي اختبار التكذيب تكون النظرية إحدى مقدمات الاستنباط، وبقية المقدمات عبارات مفردة أخرى تخدم - كشروط أساسية - لحدوث ما تخبر به النظرية، والذي سيكون نتيجة الاستنباط التي نقابلها بالوقائع التجريبية.
ولكن هل مجرد استنباط عبارات مفردة من النظرية بمساعدة عبارات مفردة أخرى هي عينها القابلية للتكذيب، أو إمكانية التكذيب التي تميز النظرية العلمية؟ بالطبع كلا! فأي عبارة لا تجريبية مثلا ميتافيزيقية، أو تحصيل حاصل يمكن استنباط عبارات مفردة أخرى منها، مثلا: (إذا كانت أ هي أ لكانت السماء ستمطر غدا، لكن أ هي أ إذن السماء ستمطر غدا)، وهي نتيجة تمثل عبارات أساسية، فهل يمكن أن نبحث عن إمكانية استنباط عبارات مفردة تخبر بشيء جديد لم تخبر به العبارات المفردة التي خدمت كشروط أساسية؟ هذه الإضافة سوف تستبعد تحصيلات الحاصل، لكن لن تستبعد العبارات الميتافيزيقية مثلا «كل حادث لا بد له من علة غائية، وقد حدث اليوم زلزال في أثينا، إذن زلزال أثينا له علة غائية» إنها أكثر من المقدمات، لكنها ليست عبارة تجريبية مفردة، ولكي نتجنب كل هذا، وتصبح القابلية للتكذيب معيارا يميز العلم بكفاءة، نضع مطلب القاعدة الآتية: «يجب أن تسمح النظرية بأن تستنبط منها عبارات تجريبية مفردة أكثر من العبارات التي يمكن استنباطها من العبارات التجريبية التي تمثل الشروط الأولية فقط»، فإذا سمحت النظرية بهذا أمكن مواجهة تلك العبارات المستنبطة بالوقائع التجريبية، الواقع الذي قد يكشف عن كذبها، أي إذا كانت النظرية قابلة للتكذيب فهي إذن علمية، هذه العبارات المستنبطة منها تمثل محتواها المعرفي الذي تخبرنا به عن العالم التجريبي.
10 •••
وكما يقول بوبر: «إن النظرية التي تقبل مخاطرة التفنيد، أي القابلة للتكذيب ستصف عالمنا المعين، عالم خبرتنا الوحيد، وستفرده عن فئة كلما العوامل الممكنة منطقيا، وبمنتهى الدقة المستطاعة للعلم».
Unknown page