Mushkilat Culum Insaniyya
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
Genres
11
وخلاصة رؤيته هي أنه على قدر ما يمكننا اقتفاء الثورات العلمية بهدى العوامل الخارجية، فالوضع يتمثل في أن العلماء في مرحلة ما يحدثون تغييرا في مخططات تفكيرهم، يرون الأشياء القديمة بطريقة جديدة، ويحاولون التوصل إلى فكرة تمثل مفتاحا (
Key Idea
وهو تعبير بترفيلد المفضل) يفض مغاليق التعثر الطارئ. وحينما يتوصلون إلى فض هذه المغاليق تتدفق الاكتشافات بمنتهى السهولة، ويرفض بترفيلد اعتبار تاريخ العلم تاريخا للأفراد العظام، أو سلسلة من قصص النجاح، أو تراكم الاكتشافات والمعرفة بالوقائع. فذلك لا يعبر البتة عن التناول السليم لتاريخ العلم
12
هذا التاريخ المتقد لا تحيط به إلا الرؤية الباحثة عن ثوراته.
ولعل أشد فلاسفة العلم حرصا على إبراز الطابع الثوري للتقدم العلمي إنما هو باشلار. إذ يرى أن الخطأ الأساسي والأولي، هو الذي يظل مسيطرا على العقل البشري ما لم يعمل هذا العقل على إزاحته عن مواقعه واحدا بعد الآخر بجهد وكفاح وصراع لا يتوقف. فكل حقيقة لا بد أن تكتسب بنوع من النضال والانتصار. وكل معرفة لا بد أن تحارب لكي تحتل مواقع الجهل؛ لذلك فالتقدم في العلم يتم من خلال صراع بين الجديد والقديم. ولا يتحقق إلا بنوع من التطهير الشاق لهذه الأخطاء. المعرفة لا تسير في طريق ميسر معبد مباشرة إلى الحقيقة، بل إن طريقها ملتو متعرج ، تمتزج فيه الحقيقة بالبطلان، ويصارع فيه الصواب الخطأ صراعا مريرا كيما يخلص نفسه منه. وهكذا نلاحظ أن فعل المعرفة في كل حال ينطوي في حد ذاته على ثورة ما، من حيث ينطوي على صراع. يتبلور هذا الصراع في السلب في «اللا» التي أصبحت مقولة لا يستغني عنها العلم المعاصر (لاحتمية، لاتعين، ميكانيكا لانيوتنية، وهندسات لاإقليدية ...) ذلك أن الجدة العلمية لم يعد من الممكن اكتسابها، إلا عن طريق السلب المنظم، الذي يصارع القديم ويرفضه، ويعبر عما يطرأ على العلم من تحولات أساسية، عندما يعيد النظر في مفاهيمه الكبرى، ويراجعها من جديد. ومن ثم يصر باشلار إصرارا على رفض فكرة الاتصال في فلسفة العلوم. فالمعرفة العلمية تتصف أساسا بعدم الاتصال في صورتها أو في مضمونها.
13
والبنية الإبستمولوجية لفرضية علمية مختلفة تماما عن بنية الفرضية التالية لها في تاريخ العلم في «جدليات ناشطة حقا».
14
Unknown page