Mushilat Maca Ghuraba
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
Genres
7
تمثل الأسرة نموذجا مقنعا للالتزامات من دون القوانين، وهي مثال على قوة الهيمنة لا قوة القسر. وكتب ريتشارد ستيل الذي ينتمي أيضا لأيرلندا كتيبا بعنوان «الأسرة والأمة» يقارن فيه بين صياغة سياسة مالية للدولة وتوفير قوت الأبناء.
8
ويحذر بيرك من أن المذهب العاطفي في فرنسا «يهدم مبادئ الصدق والأمانة الداخلية التي تمثل ضوابط الحياة الاجتماعية.»
9
وفي مفارقة غريبة فإن الافتتان المغالي بالعاطفة لا يضر بالمنطق، بل بالشعور بمعناه الأدق، الشعور بوصفه أساس روابط الإخلاص والحب المجربة والمسلم بها، التي تعد الأسرة أكبر نموذج لها، والتي توفر أصح نموذج للوجود الاجتماعي ذاته؛ فالشعور ممارسة تقليدية وليس أداء مسرحيا.
مع ذلك فإن بيرك بعيد تماما عن توسيع نطاق هذه العواطف الاجتماعية لتشمل الجنس البشري بكامله. وهو يشبه في هذا هيوم الذي كتب «رسالة في الطبيعة الإنسانية» أكثر مما يشبه مواطنه الأيرلندي فرانسيس هتشسون؛ إذ يمكن مد حدود النظام الخيالي لتشمل ثقافة وطنية؛ لكن لا يمكننا فعلا تبادل الهويات أو مشاعر التعاطف مع من ينتمون لحياة مختلفة كليا؛ فالغرباء بالنسبة إلى بريطانيا، إن جاز التعبير، يبدءون من مدينة كاليه، بينما في كاليه وباريس يستبعد الفرق بين الغرباء والأقرباء برغم كتابات بيرك، وهو ما أثار غضبه المعارض للخيرية العامة؛ إذ يحمل بيرك كرها شديدا لمفهوم الخير عند جودوين الذي يساوي بين حب الأهل وحب الغرباء. (جعل سويفت، مواطن بيرك الذي شاركه بغضه للإحسان العام، شخصية جاليفر المخبولة مبالغا فيها بدرجة أكبر؛ حيث ازدرى أهله ووقع في حب كائنات غريبة تمشي على أربع.)
يرى بيرك - كما هيوم - أنه من الطبيعي أن نحب من هم أقرب إلينا، ويرى فكرة التعاطف العام زائفة؛ فالخيرية العامة تؤدي إلى الطغيان الثوري. ويمثل روسو - الذي يعتبر الشفقة مثل هتشسون غريزة سابقة على أي تفكير - المحل الأول لكراهية بيرك الشديدة؛ فهو يسخر منه قائلا إنه محب لجنسه لكن كاره لأهله؛ «فالإحسان إلى النوع البشري كله» كما يؤكد بيرك «ونقص التعاطف مع كل فرد يقابله هؤلاء الأساتذة يمثلان طابع الفلسفة الجديدة.»
10
يتفق بيرك مع روسو في أن العواطف لها قوة أكبر من العقل، ويرى كلاهما أنه إن كنا نعتمد على شيء هش ومزعج كالعقلانية لحثنا على التصرف الإنساني، فلربما وصل النوع البشري لطريق مسدود منذ زمن بعيد. كما يعتقد بيرك - مثل توما الأكويني - أن الصداقة قد تمثل تمهيدا لأشكال من العلاقات أقل خصوصية. لكن من يسعون إلى مد هذه العواطف إلى ما وراء حدودها الطبيعية لا ينجحون إلا في خلعها من جذورها الموجودة في تربة غنية وقطع الغذاء عنها؛ إذ تتحول المشاعر إلى كماليات تستهلك على المستوى الخاص، ولا يمكن أن تكون قوة اجتماعية رابطة بعد ذلك، ويخرج الإحساس من دائرة السياسة.
Unknown page