Musannaf
المصنف
Investigator
سعد بن ناصر بن عبد العزيز أبو حبيب الشثري
Publisher
دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٦ هـ - ٢٠١٥ م
Publisher Location
الرياض - السعودية
المصنف لابن أبي شيبة
الإمام أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي الكوفي
(المولود سنة ١٥٩ هـ - والمتوفى سنة ٢٣٥ هـ)
تقديم
معالي الشيخ ناصر بن عبد العزيز أبو حبيب الشثري
تحقيق
أ. د. سعد بن ناصر بن عبد العزيز أبو حبيب الشثري
1 / 1
تقديم
لصاحب المعالي الشيخ ناصر بن عبد العزيز الشثري
الحمد للَّه رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وبعد: فإن اللَّه ﷿ قد أنعم على عبادة بنعم عظيمة، ومن أعظم ما أنعم اللَّه به على البشرية إرسال محمد ﷺ لهداية الخلق وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وأنزل عليه كتابه العظيم المشتمل على أقوم السبل وأفضل المناهج، كما أن اللَّه ﷿ أعطاه وحيًا آخر ألا وهو السنة المطهرة المتمثلة في أقوال النبي ﷺ وأفعاله وتقريراته، لأننا مأمورون بالاقتداء به، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ ومن هنا كانت الهداية مشروطة باتباع هدي هذا النبي الكريم، كما قال سبحانه: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.
وكان ذلك سببًا لاجتهاد الأمة الإِسلامية في حفظ سنته وضبطها لئلا يضيع منها شيء أو يدخل فيها ما ليس منها، فاشتغل العلماء والرواة بحفظها وروايتها وتقربوا إلى اللَّه ﷿ بذلك، ثم توالت الجهود في فهم المصادر الشرعية والإفتاء بها من قبل العلماء المجتهدين، ولما كثرت الأسانيد وتعددت طبقاتها احتاجت الأمة إلى تدوين ذلك التراث، فاجتهد طائفة من علماء الأمة المتقنين في ضبط هذا التراث العظيم وكتابة المؤلفات التي تجمع ذلك التراث وترويه بأسانيده.
وكان من أعظم الجهود المبذولة في جمع تراث هذه الأمة ما فعله الإِمام أبو بكر عبد اللَّه بن محمَّد بن أبي شيبة من خلال كتابه العظيم [المصنف]، وهذا الكتاب من
1 / 5
أهم المؤلفات الإِسلامية لقدم عهد المؤلف فهو شيخ للبخاري ومسلم وأحمد وغيرهم من أئمة السنة مما يجعلنا نطلع على أسانيد عالية تعتبر مصدرًا من مصادر بقية كتب السنة، ثم إن الكتاب قد احتوى على أخبار كثيرة عديدة، مما يجعله مغنيًا للباحث عن العديد من الكتب والمؤلفات، ثم هو كتاب يحتوي على دقائق المسائل مما يندر وجوده في كثير من الكتب، كما أن مصنف ابن أبي شيبة يفيد الباحثين في معرفة التسلسل التاريخي للمصطلحات العلمية والاجتهادات الفقهية، وفي نفس الوقت يفيد في تصور المسائل الشرعية ومعرفة حقيقتها والمراد بها، ومن مميزات هذا الكتاب أنَّه كتاب جامع فإن أردت الفقه وجدته فيه، وإن أردت الآداب والأخلاق فهو محتوٍ عليها، وإن رغبت في الأذكار والأدعية وجدت بغيتك فيه، وإن تاقت نفسك لمعرفة التاريخ فإنها ستحصل على مرادها بقراءة هذا الكتاب، حتى كان مضرب المثل في الاستيعاب، ومميزات هذا الكتاب عديدة أشار المحقق إلى شيء منها.
ونظرًا لأن الكتاب له هذه الأهمية العظيمة فأتوقع أن يحظى بدراسات علمية من جوانب فقهية وحديثية وأصولية وتاريخية وحضارية، ولذا فإن الكتاب يناسب أن يحظى بتحقيق علمي خصوصًا أنه لم يطبع إلا طبعة واحدة فيها نقص قرابة خمسة آلاف خبر، كما أنها مليئة بالأخطاء المطبعية التي حرفت معانيه وقلبت أسانيده وقللت الاستفادة منه، ومن هنا اتجه الابن الدكتور سعد بن ناصر بن عبد العزيز أبو حبيب الشثري الأستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود حاليًا، وعضو هيئة كبار العلماء، وأستاذ الأصول بكلية الشريعة بالرياض في جامعة الإمام محمد بن سعود الإِسلامية سابقًا، إلى تحقيق الكتاب تحقيقًا علميًا يبرزه كما كتبه المؤلف؛ ويوثقه من مصادره لتحصل الطمأنينة بما يحتوي عليه.
وإذا أردت أن تعرف مقدار ما يحتاج إليه تحقيق هذا الكتاب من جهد فقارنه بمسند الإمام أحمد، فإن المسند فيه قرابة سبع وعشرين ألف حديث منها أعداد كثيرة
1 / 6
متكررة سندًا ومتنًا، وبعضها يتكرر باختلاف يسير وجهود العلماء المتقدمين قد تضافرت على المسند في: شرح معانيه، والانتقاء من أحاديثه، وبيان ثلاثياته، وترجمة رواته، وتحرير ألفاظه، وحظي باهتمام النساخ به، وكانت النسخ محل عناية من العلماء في: ضبطها، ومقابلتها بأصولها، وفي العصر الحاضر حظي المسند يحهود كثيرة سواء في: تحقيقه -فقد حُقّق من علماء متعددين من أبرزهم الشيخ أحمد شاكر- وألفت مؤلفات في ترتيبه، وفي بيان أطرافه، وفهرسته، وقد طبع المسند طبعات عديدة اشتغل على عدد منها جماعة من العلماء الفضلاء، ومع كل ذلك فقد تطلب تحقيقه الأخير أن يشتغل في هذا التحقيق العديد من الباحثين المتفرغين لتحقيقه، وتطلب ذلك أَيضًا أن يعملوا بعمل حثيث متواصل استمروا فيه مدة عشر سنوات.
فإذا كان الأمر كذلك فما ظنك بمصنف ابن أبي شيبة الذي احتوى على أكثر من أربعين ألف خبر، والتكرار فيها قليل جدًا، وكثير منها ينفرد المؤلف به، فلا تكاد تجده في كتاب آخر، ثم إن هناك طائفة من الرواة فيه لا تكاد تجد تراجمهم إلا في كتب قصية وفي مواطن لا يتبادر إلى الذهن وجود الترجمة فيها، فهل تتصور أن راويًا لا تجد ترجمته وافية إلا في معجم البلدان أو في غيره من كتب اللغة والمعاجم؟، ولم تكتب مؤلفات على المصنف توضح معانيه وتشرح ألفاظه، ولكبر حجمه أحجم النساخ عنه، فليس له نسخ عديدة تكون محل عناية العلماء واهتمامهم، ولم يؤلف أحد في بيان أطرافه، ولم يجتهد أحد في مقارنته بغيره من الكتب والمؤلفات، فلاشك أن هذا المصنف يتطلب تحقيقه من الجهد ما لا يحتاجه المسند.
ومن فضل اللَّه ﷿ أن حظي الكتاب بتحقيق علمي يقوم عليه الابن الدكتور سعد فقد قابل بين نسخه، وخرّج أحاديثه، وحكم عليها؛ وتوصل في
1 / 7
ذلك إلى اجتهادات منضبطة بالضوابط الشرعية سواء في بيان أحوال الرواة، أو في علل الأحاديث، ولن تجده يسلم للحافظ ابن حجر كل كلامه عن الرواة في التقريب، ثم علق على الكتاب بتعليقات فقهية تتضح فيها القدرة الأصولية ذكر فيها أقوال أرباب المذاهب الفقهية ورجح بين الآراء، فأخرج لنا مجهودًا يستحق التقدير والثناء، ومثله جدير بأن يخرج على يده مثل هذا العمل العظيم فإن له مشاربهات عديدة في هذا المجال، وقد قام على تحقيق عدد من كتب السنة، من أمثال: (سنن ابن ماجه) في أربعة مجلدات، وكتاب (المطالب العالية في زوائد المسانيد الثمانية) لابن حجر في عشرين مجلدًا، ثم إن له جهودًا طيبة في السنة النبوية فقد شرح: (بلوغ المرام) و(عمدة الأحكام) بشروح تجد فيها من التحقيق والفوائد ما لا تجده في الشروح الأخرى، ويدلك على تمكنه في علوم الحديث كتابه الرائع: (مختصر صحيح البخاري) الذي احتوى على جميع ألفاظ البخاري التي على شرطه في صحيحه في مجلد واحد؛ مع شرح لغامض ألفاظه، وتجد مع كل حديث جميع تراجم البخاري عليه، فكان محل إعجاب وثناء، مما جعل عددًا من طلاب العلم يبادرون إلى حفظه.
ثم إن المحقق ليس مقتصرًا على فن واحد، بل ما من علم شرعي إلا وله مشاركة فيه وللَّه الحمد والشكر وعنده ترجيحات وفوائد لا تكاد تجدها عند غيره، ففي علم الأصول هو من أبرز باحثيه ومدرسيه، وما هذه المؤلفات الأصولية التي خطبها بنانه إلا أكبر شاهد على ذلك، مع صعوبة علم الأصول وقلة المشتغلين به، وإن أردت معرفة صحة ذلك فطالع مؤلفاته فيه، وهي عديدة من أشهرها: كتاب (القطع والظن عند الأصوليين) و(قوادح الاستدلال بالإجماع) و(المصلحة عند الحنابلة) و(شرح الورقات) إلى غير ذلك من المؤلفات، وأما في الفقه فله مشاركات عديدة تدل على تمكنه منه ونموذج ذلك كتابه: (المسابقات)، بل خاض غمار المستجدات الفقهية فألف فيها من أمثال مسائل: (عقد الإجارة المنتهي بالتمليك)
1 / 8
و(الإلزام بالتأمين على رخصة قيادة السيارات) و(بحوث الخلايا الجذعية) و(الجرائم الحديثة) وبحوثه في ذلك عديدة، وأما مشاركته في العقيدة والتوحيد فتجدها في رسائله العديدة في ذلك، ومنها: (حقيقة الإيمان وبدع الإرجاء في القديم والحديث) و(حكم زيارة الآثار النبوية) و(التفريق بين الأصول والفروع) و(تقسيم الشريعة إلى أصول وفروع)، وأما القواعد الفقهية فقد تمكن منها وبرز فيها؛ وتداول الناس في ذلك شروحه المسموعة والمكتوبة، إلى غير ذلك من العلوم الشرعية التي شارك فيها. أسال اللَّه ﷿ أن يزيده علمًا وهدى وتقى وأن يجعله إمامًا للمتقين.
ومن خلال هذه الإحاطة العلمية فإني آمل أن تجد أيها القارئ -تحقيقًا علميًا لهذا الكتاب، خصوصًا أن المحقق قد اعتمد على عشرين أصلًا منها خمسة عشر مخطوطة تجد وصفها في أول هذا الكتاب، وكانت هذه المخطوطات متعددة الصادر من بلدان مختلفة وعليها تعليقات من علماء مختلفين؛ فلا تعجب أن تشدك رحلة المخطوطة من الرياض إلى دمشق إلى القاهرة إلى تونس إلى برلين إلى كراتشي إلى دلهي بالهند؛ مما يدلك على عظم المجهود المبذول في جمع مخطوطات هذا الكتاب، وقد تميز المحقق بكونه يعبر عن المعاني الكثيرة والمباحث الطويلة يحمل قصيرة تحتوي على جميع الموضوع، مع أحكام جازمة تدلك على مدى توثق الباحث من نفسه بحيث لا يدع القارئ في حيرة من أمره، ومن هنا فبشراك أيها القارئ: فبين يديك كتاب عظيم جامع مخدوم من باحث متمكن.
ومن الجهود المشكورة ما بذلته حكومة المملكة العربية السعودية من خدمات جليلة للباحثين؛ من خلال تهيئة مراكز البحث ومكتبات المخطوطات؛ من أمثال: مكتبة الملك فهد الوطنية، ومكتبات الجامعات السعودية كجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والجامعة الإسلامية التي قدمت للباحثين خدمات جليلة هي محل ثناء وتقدير الجميع.
1 / 9
وأسأل اللَّه للجميع التوفيق والهداية وصلاح الأحوال، كما أسأله سبحانه أن يوفق قادة هذه البلاد لكل خير وأن يزيدهم نشاطًا في جهودهم الخيرة التي يقدمونها للإسلام وأهله. وصلى اللَّه على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المستشار بالديوان الملكي
ناصر بن عبد العزيز أبو حبيب الشثري
1 / 10
مقدمة
إن الحمد للَّه نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى اللَّه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾. أما بعد فإن اللَّه ﷿ قد قيض للأمة رجالًا حفظوا دينها وسنة نبيها ﷺ وآثار صحابته ﵃، وممن لهم ثمرات ملموسة في هذا الجانب العلامة الإمام أبو بكر عبد اللَّه بن محمد بن أبي شيبة من خلال كتبه ومؤلفاته، ومن أعظمها المصنف المحتوي على مميزات عديدة سأذكر بعضًا منها عند دراسة الكتاب، والمصنف أغنى المؤلفات في آثار السلف مع احتوائه على أحاديث نبوية عديدة على جانب عالٍ من الصحة لا تكاد توجد في غيره من الكتب.
ومع أهميته إلا أنه لم يحظ بما يتناسب مع مكانته في الطبع، ففي منتصف القرن الرابع عشر الهجري (١٣٢٤ هـ) طبع الشيخ عبد الوهاب الملتاني ﵀ الجزء الأول والرابع من طباعة حجرية اشتملت على الكثير من الأخطاء الطباعية.
وفي عام ١٣٨٦ هـ قام بعض علماء حيدر آباد الدكن في الهند بطباعة الأجزاء الخمسة الأولى من الكتاب بدون تعليق ولا تحقيق، بإشراف عامر العمري، وعبد الخالق الأفغاني، وصلوا نهاية كتاب الصيد.
وفي عام ١٣٩٩ هـ قامت الدار السلفية في بومبي بالهند بتصوير الأجزاء الخمسة من طبعة حيدر آباد الدكن سابقًا، وأكمل الشيخ مختار أحمد الندوي السلفي طباعة
1 / 11
بقية الكتاب جزءًا بعد جزء حتى خرج الكتاب في خمسة عشر جزءًا، وصدر المجلد الأخير سنة ١٤٠٩ هـ، وقد علق المحقق على الأجزاء من السادس إلى الخامس عشر بتعليقات متفاوتة، وقد أكثر من التعليق على الأحاديث المرفوعة، ورقم الأخبار ابتداءً من الجزء السادس، ويلاحظ أن كتاب الإيمان والنذور وجزءًا كبيرًا من كتاب الحج قد سقط من هذه الطبعة. ونشر الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي أربعة أجزاء عام ١٤٠٣ هـ.
وفي عام ١٤٠٦ هـ، طبعت إدارة القرآن والعلوم الإِسلامية بباكستان المصنف بتصوير طبعة مختار الندوي، واستدركت الأبواب الناقصة في كتاب الإيمان إلى كتاب الحج.
وكانت طبعاته السابقة ناقصة ومليئة بالأخطاء سأورد نماذج من ذلك عند دراسة الأصول المطبوعة للكتاب، وقد يسر اللَّه ﷿ لي العديد من نسخه الخطية، مع معرفتي بقيمة الكتاب العلمية، مما أرى معه أنه يجب وجوبًا كفائيًا على الأمة أن تسعى في نشر هذا العلم وبثه، ورغبة في سقوط هذا الإثم استعنت باللَّه في تحقيق هذا الكتاب.
ومن فضل اللَّه ﷿ على الأمة أن حظيت العديد من كتب السنة بجهود عدد من الباحثين فحققوها وخرجوا أحاديثها ولكن يلاحظ على بعض أعمالهم ملحوظات عديدة، من أظهرها ما يأتي:
١ - أنهم أطالوا في التعليقات إطالة كبيرة مما ضخم حجم الكتب، وجعل الناس يزهدون فيها.
٢ - عدم الجزم في الحكم على الأحاديث، فتجد أحدهم يقول: هذا حديث يحتمل التحسين، مما يوقع الناس في اللبس.
٣ - التوسع في الكلام عن الخبر بجميع ما قيل فيه، مع أن بعض علل الخبر لا يعد شيئًا إذا قورن بغيره، فإذا كان أحد الرواة ضعيفًا فلا داعي لأن ينبه على أن غيره صدوق، وإذا كان في سنده وضاع فلا حاجة لإشهار اسم الضعيف.
1 / 12
٤ - أنهم عند الحكم على الحديث يحكمون على المتن دون الإسناد، مما جعلهم يحكمون على أحاديث فيها راوٍ معروف بالكذب بأنها أحاديث صحيحة، نظرًا لورود ذلك المتن من طريق صحابي آخر بإسناد صحيح، وهذا العمل لا يصح، لأن ذلك الإسناد لا يمكن تقويته بإسناد آخر.
٥ - اقتصارهم عند ذكر من أخرج الحديث على من ساق الخبر بذلك الإسناد، وكان الأولى ذكر جميع من أخرج الخبر من طريق ذلك الصحابي وهذا العمل قد ألبس على الباحثين وأوقعهم في أوهام عديدة.
فانظر إلى عكس الأمور في هذين الجانبين حكم على المتن وتخريج للسند وكان الأولى الحكم على السند، وتخريج المتن.
٦ - أن بعض الباحثين يقوي الخبر الضعيف ويصححه لاعتضاده بآثار عن بعض التابعين.
٧ - أن عددًا من الباحثين يقوي الضعيف ويحكم عليه بالصحة لاعتضاده بخبر راوٍ مجهول، وخبر المجهول يتوقف فيه ولا يقوى به لأنه لا يعرف ويحتمل أن يكون ضعيفًا جدًا أو وضاعًا.
٨ - كما أن بعض من اشتغل في الرجال يرفع الحكم بالجهالة عن الراوي لمجرد رواية عدد عنه مع كون بعض هؤلاء الرواة ضعيفًا أو مجهولًا أو لا يتورع عن الرواية عن المجهولين والضعفاء، مع أن الحكم برفع الجهالة لا يكون إلا برواية الأئمة الذين يقتصرون في رواياتهم على الثقات ولو كان ذلك الراوي واحدًا على الصحيح.
٩ - بل وصل الحال ببعض الباحثين إلى الحكم بجهالة الراوي الذي لم يرو عنه إلا واحد مع تتابع الأئمة على توثيقه.
١٠ - أن بعض الباحثين عند تخريج الأحاديث لا يكتفي بالصحيحين ويسرد كتب الحديث بحسب تسلسلها التاريخي فيكون الصحيحان في وسط كتب السنة، مما
1 / 13
قد يفهم منه تقليل مكانة الصحيحين، وما زالت الأمة تكتفي بقولها: متفق عليه على ما أخرجه الشيخان فلا تحتاج لذكر غيرهما.
١١ - تحويل كتب الإسناد والرواية إلى كتب علل من خلال التوسع في ذكر علل الأحاديث في هوامش كتب الحديث المحققة.
١٢ - التطويل بذكر أسماء الكتب المشهورة مطولة مع أنها متبادرة إلى الذهن ولا زالت الأمة على الاكتفاء باسم المؤلف فيمن لا يوجد له إلا كتاب واحد، فتجدهم مثلًا يقولون: أخرجه ابن ماجه، ولا يقولون: في السنن وهكذا.
١٣ - ومن ذلك التعمية على القارئ بذكر اسم غير مشهور وترك الاسم المشهور فبدل قولهم: (أخرجه أبو عبيد) قالوا: (الهروي) وبدل (إسحاق) قالوا (ابن راهويه) وهكذا.
١٤ - أن بعض الأئمة المشهورين بالعلم والرواية قد يروي الحديث من وجهين لسعة علمه وروايته مع إمكان ذلك فيجعلون ذلك قادحًا في روايته.
١٥ - أن بعض الباحثين أصبح يزهد في بعض الأصول المخطوطة مهما كان عليها من عناية ويسمونها النسخ المتأخرة، مع عدم تمحيصها وعدم التأكد حقيقة من تأخرها.
١٦ - وفي مقابل ذلك نجدهم يعتمدون على نسخ متأخرة لكتب مستخرجة على الكتاب الأصل، ككتب الأطراف والشروح ونحو ذلك.
منهج التحقيق:
تطلب العمل في تحقيق الكتاب الخطوات الآتية:
أولًا: جمع نسخ الكتاب المخطوطة من مكتبات المخطوطات ومراكز البحث.
ثانيًا: المقابلة بين النسخ ثم مراجعة تلك المقابلة، وتم التعامل مع الفروق بين النسخ على النحو الآتي:
1 / 14
١ - إذا اتفقت النسخ على شيء أثبتناه ولو كان مخالفًا لكتب الإسناد والرجال، وقد ننبه على ذلك.
٢ - إذا اختلفت النسخ فإنني أختار منها ما يترجح لديَّ من خلال مراجعة كتب السنة والتراجم واللغة.
٣ - لم أشر إلى الأخطاء الإملائية أو ما خالف قواعد الإملاء الحديثة.
ثالثًا: الحكم على أسانيد الكتاب وتخريج أحاديثه، فإن الموجود في المصنف على ثلاثة أنواع:
١ - أحاديث مرفوعة، فنحكم على إسناد المؤلف، ثم أبين من أخرج ذلك الحديث، فإن كان في الصحيحين اكتفيت بهما، وإن كان في أحدهما دون الآخر ذكرت موضعه من الصحيح وعززته بذكر مصدر آخر والأغلب أن يكون مسند الإمام أحمد، فإن لم يكن في أحد الصحيحين اجتهدت في ذكر من أخرجه.
٢ - آثار للصحابة فأحكم عليها، وقد أذكر من خرجها ولا ألتزم بذلك.
٣ - آثار التابعين، فهذه أكتفي بإيراد المصنف لها، لعدم صحة الاستدلال بها.
رابعًا: عند الحكم على الأحاديث أشير لسبب تحسين الحديث أو تضعيفه بذكر اسم الراوي الذي يكون سببًا لذلك، وكذلك عند الانقطاع أذكر موطن الانقطاع اختصارًا للكلام، ومن خلال عملي السابق واللاحق في السنة وسبر مرويات الرواة قد لا أقنع بكلام الحافظ في التقريب وأخالفه.
خامسًا: التعليقات التي وضعت على النسخ المخطوطة سواء لترجمة الرواة أو التعريف بالألفاظ ونحو ذلك أثبتها في الهامش.
سادسًا: رقمت أحاديث الكتاب وآثاره ترقيمًا متسلسلًا بحيث يكون للكتاب ترقيم واحد من أوله إلى آخره، كما وضعت ترقيمًا للأبواب داخل كل كتاب وترقيمًا لأسماء الكتب التي عنون بها المؤلف.
1 / 15
سابعًا: سيحظى الكتاب بإذن اللَّه بفهارس فنية متنوعة تقرب لطلاب العلم طريق الاستفادة من هذا الكتاب.
ثامنًا: وضعت تعليقًا مختصرًا في بداية كل باب يلخص كلام الفقهاء في ذلك الباب.
وأختم بشكر صاحب الفضيلة والمعالي الوالد الأجل الشيخ ناصر بن عبد العزيز ابن محمد أبو حبيب الشثري فهو المتكَأ الذي نتكئ عليه بعبد اللَّه في إخراج هذا الكتاب حثًا وتشجيعًا ودعمًا، استمرارًا لرغبة والده الجد الشيخ عبد العزيز أبو حبيب الشثري في خدمة العلم وطبع كتبه، فأسال اللَّه أن يجزل لهما الأجر والثواب وأن يجعلهما في جوار محمد ﷺ في الفردوس الأعلى من الجنة.
وأتوجه بالشكر لحكومة المملكة العربية السعودية لجهودها المشكورة في إحياء العلم الشرعي، من خلال إقامة المكتبات العامة النافعة، كمكتبة جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية، ومكتبة الجامعة الإسلامية، ومكتبة الملك فهد الوطنية، فأسأل أن يبارك في هذه الجهود وأسأله أن يجعل التوفيق حليفًا لهذه المؤسسات.
والشكر موصول لوالدتي الفاضلة الكريمة التي ربتني صغيرًا وكبيرًا، ولا أزال أجد فضلها وإحسانها، كما لا زلت أجد أثر تربيتها وتوجيهاتها ووصاياها.
كما أشكر أهل بيتي وأبنائي وإخواني على ما وفروه لي من جو علمي تمكنت معه من إنجاز هذا العمل المبارك، الذي أتقرب إلى اللَّه به والذي تفضل اللَّه عليَّ بمنه وقومه فجعلني أتوجه إليه وأعانني على العمل فيه لأكون بذلك ممن خدم سنة النبي ﷺ، والحمد للَّه أولًا وآخرًا.
المحقق
أ. د. سعد بن ناصر بن عبد العزيز أبو حبيب الشثري
1 / 16
الفصل الأول: ترجمة المؤلف
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: حياته العامة.
المبحث الثاني: حياته العلمية.
1 / 17
المبحث الأول: حياته العامة (^١)
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: اسمه ونسبه
هو: الإمام أبو بكر عبد اللَّه بن القاضي محمد بن القاضي أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن خُواسْتَي وينتسب إلى قبيلة عبس بالولاء.
وينتسب ابن أبي شيبة إلى الكوفة لكونه ولد ونشأ فيها وتعلم وعلم بها.
_________
(^١) انظر ترجمته في: الطبقات الكبرى لابن سعد ٦/ ٤١٣؛ طبقات خليفة بن خياط ص ١٧٣؛ التاريخ الصغير للبخاري ٢/ ٣٣٥؛ تاريخ الثقات للعجلي رقم (٢٧٦)؛ الجرح والتعديل ٥/ ١٦٠؛ الثقات لابن حبان ٨/ ٣٥٨؛ رجال صحيح البخاري للكلاباذي ١/ ٤٢٧؛ رجال صحيح مسلم لابن منجويه ١/ ٣٨٥؛ الجمع بين رجال الصحيحين ١/ ٢٥٩؛ السابق واللاحق للخطيب ص ٢٥٧؛ تاريخ بغداد ١٠/ ٦٦؛ الفهرست لابن النديم ص ٢٢٩؛ المنتظم لابن الجوزي ١١/ ٢٢٩، الكامل لابن الأثير ٧/ ٤٥، تهذيب الكمال ١٦/ ٣٤، طبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي ٢/ ٨٤، المعين في طبقات المحدثين ص ٨٦، الكاشف ٠٢/ ١١١، سير أعلام النبلاء ١١/ ١٢٢، تذكرة الحفاظ ٢/ ٤٣٢، تاريخ الإسلام ص ٢٢٧ و٢٣١ - ٢٤١، دول الإسلام ١/ ١٤٣، ميزان الاعتدال ٢/ ٤٩٠، العبر ١/ ٤٢١، مرآة الجنان ٢/ ١١٦، البداية والنهاية ١٠/ ٣١٥، طبقات المفسرين للداودي ١/ ٢٤٦، طبقات الحفاظ للسيوطي ص ١٩٢، المعجم المشتمل لابن عساكر ص ٤٩٢، تهذيب التهذيب ٦/ ٢، النجوم الزاهرة ٢/ ٢٨٢، شذرات الذهب ٢/ ٨٥، الرسالة المستطرفة ص ١٣، الأعلام ٤/ ٢٦٠، كشف الظنون ص ٤٣٧ و١٦٧٨ و١٧١١، إيضاح المكنون ١/ ٣٦ و٢١٢، هدية العارفين ١/ ٤٤٠، معجم المؤلفين ٦/ ١٠٧، تاريخ التراث العربي ١/ ٢٠٥، تاريخ التراث العربي لزكين ١/ ١/ ٢٠٥، مقدمة المطالب العالية لابن حجر طبع بتدقيقنا. وقد كتبت عنه العجالة الآتية.
1 / 19
المطلب الثاني: أسرته
ابن أبي شيبة من بيت علم، لديهم رغبة في رواية الحديث، ولذا بكّر في طلب الحديث وزاحم أقرانه عند كبار شيوخ عصره؛ حتى قال يحيى بن عبد الحميد الحماني: أولاد ابن أبي شيبة من أهل العلم، كانوا يزاحموننا عند كل محدث.
فإن جده أبا شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي تولى القضاء بواسط، وعرف بالفقه، وشغله القضاء عن ضبط الحديث فضعف فيه، توفي سنة ١٦٩ هـ، وخاله هو الحكم ابن عتيبة الفقيه المشهور (^١).
وأبوه هو محمد بن إبراهيم الكوفي القاضي الثقة، تولى قضاء فارس، وتوفي سنة ١٨٢ هـ.
ومن إخوانه:
١ - الحافظ عثمان بن أبي شيبة، توفي سنة ٢٣٩ هـ، وهو من رجال الصحيحين أخرج له البخاري ٦١ حديثًا وأخرج له مسلم (١١٧) حديثًا وله في الكتب الستة (٥٣٥) حديثًا.
٢ - القاسم بن أبي شيبة.
وابنه هو الحافظ إبراهيم بن أبي بكر، ولد في أيام سفيان بن عيينة، وسمع أبا نعيم الفضل بن دكين وعبيد اللَّه بن موسى، وروى عنه ابن ماجه والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم، وهو من تلامذة الإمام أحمد، توفي سنة ٢٦٥ هـ.
ومن أبنائه أيضًا: محمد بن أبي بكر بن أبي شيبة له رواية عند أبي داود.
والحافظ أبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة ابن أخيه توفي سنة ٢٩٧ هـ.
_________
(^١) تهذيب الكمال ٢/ ١٤٧.
1 / 20
قال الذهبي (^١) عن الحافظ أبي بكر: "هو أخو الحافظ عثمان بن أبي شيبة والقاسم بن أبي شيبة الضعيف، فالحافظ إبراهيم بن أبي بكر هو ولده، والحافظ أبو جعفر محمد بن عثمان هو ابن أخيه، فهم بيت علم، وأبو بكر أجلُّهم".
المطلب الثالث: ولادته ووفاته
الأقرب أن تكون ولادته سنة ١٦٠ هـ لأنه سمع من شريك وعمره ١٤ سنة، وقد تكون ولادته سنة ١٥٩ هـ، كما ذكر ابن زَبْر والخطيب (^٢).
قال البخاري: "مات عبد اللَّه بن محمد بن أبي شيبة الكوفي العبسي سنة خمس وثلاثين ومائتين (٢٣٥ هـ) أبو بكر. . . مات يوم الخميس لثمان خلون من المحرم" (^٣).
وقال الذهبي: "توفي في المحرم وله بضع وسبعون سنة" (^٤).
وقال الخطيب البغدادي: "مات عبد اللَّه بن محمد بن أبي شيبة أبو بكر العبسي وقت العشاء الآخرة، ليلة الخميس، لثمان مضت من المحرم سنة خمس وثلاثين ومائتين" (^٥).
_________
(^١) سير أعلام النبلاء ١١/ ١٢٢.
(^٢) تاريخ مولد العلماء ووفياتهم ١/ ٣٧٢، وانظر: سير أعلام النبلاء ١١/ ١٢٢، تاريخ بغداد ١٠/ ٦٦، تهذيب الكمال ١٦/ ٣٩.
(^٣) التاريخ الصغير ٢/ ٣٣٥، "الباحثون يشيرون إلى أن الصواب أنه الأوسط"، ووهم ابن الأثير في الكامل ٦/ ١٠٢ حينما جعل وفاته سنة ٢٣٤ هـ.
(^٤) العبر ١/ ٣٣١.
(^٥) تاريخ بغداد ١٠/ ٧١.
1 / 21
المطلب الرابع: عصره
عاصر ابن أبي شيبة ثمانية خلفاء عباسيين هم:
١) المهدي (١٥٨ - ١٦٩).
٢) الهادي (١٦٩ - ١٧٠).
٣) الرشيد (١٧٠ - ١٩٣).
٤) الأمين (١٩٣ - ١٩٨).
٥) المأمون (١٩٨ - ٢١٨).
٦) المعتصم (٢١٨ - ٢٢٧).
٧) الواثق (٢٢٧ - ٢٣٢).
٨) المتوكل (٢٣٢ - ٢٤٧).
ومن عصر المهدي إلى عصر الرشيد (١٥٨ - ١٩٣) كان عصر استقرار وتقدير للعلماء، وإحياء للسنة، ومحاربة للعقائد الدخيلة، ولذا كثر الاشتغال بالعلم والسنة ورواية الحديث، وهذا وقت الطلب عند الإمام ابن أبي شيبة.
وفي عصر الأمين (١٩٣ - ١٩٨) كان هناك اضطرابات سياسية بسبب منازعة المأمون لأخيه الأمين في الحكم.
وفي عصر المأمون والمعتصم (١٩٨ - ٢٣٢) ابتلي الناس ببعض العقائد الدخيلة التي تبناها الخلفاء ودعوا إليها، مثل نفي الصفات، والقول بخلق القرآن، وقد اشتد المأمون عام ٢١٨ هـ في ذلك، وألزم العلماء بمقالة خلق القرآن، وعذب من لم يوافقه من العلماء، وقد ثبت قليل من العلماء كالإمام أحمد ﵀ الذي ضُرِب وسُجِن من قبل المعتصم، وفي هذا العهد اشتدت شوكة المعتزلة، وكان ابن أبي شيبة ينكر على العلماء الذين أجابوا في الفتنة (^١). وفي عصر المتوكل (٢٣٢ هـ) كشف اللَّه
_________
(^١) تهذيب الكمال ٢٣/ ٢١٤.
1 / 22
المحنة، فنصر اللَّه السنة بالخليفة المتوكل، فأمر المتوكل علماء السنة بإظهار أحاديث الصفات، ومن هنا جلس الإمام ابن أبي شيبة في مسجد الرصافة يروي الأحاديث التي فيها تقرير العقيدة الصحيحة، واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفًا (^١).
وهذه المدة اشتهرت بظهور العديد من المؤلفات، وظهر اهتمام الأئمة بتدوين السنة، وتمحيص الرواة، وظهر فيها علماء أفذاذ في كل الفنون الإسلامية، مما جعل الإمام ابن أبي شيبة يستفيد من ذلك، كما أن الكوفة -موطن الإمام ابن أبي شيبة- كانت إحدى الحواضر العلمية في ذلك الزمان، وخصوصًا في الفقه.
وكان لانتشار الورق وصناعته في هذا الوقت الأثر العظيم في كثرة التأليف والنسخ.
كما أن رغد العيش والرغبة في التدين والاستقرار الأمني والاجتماعي كان لها آثارها في تسهيل التعليم.
_________
(^١) تاريخ الإسلام ١٧/ ٢٣٠.
1 / 23
المبحث الثاني: حياته العلمية
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: مشايخه
لقد تتلمذ الحافظ ابن أبي شيبة على عدد كثير من علماء العراق والحجاز وغيرهما من البلدان، وروى عن جماعة كثيرة من رواة الحديث، ذكر المزي في ترجمته منهم (١٢١)، وفي المصنف العديد من شيوخه الذين لم يذكرهم الحافظ المزي، وسأورد أشهرهم هنا؛ لنتبين الطبقة التي يروي عنها، فمن هؤلاء حسب ترتيبهم بناءً على سنة الوفاة:
١) القاضي شريك بن عبد اللَّه (ت ١٧٧ هـ) وهو أكبر شيخ له (م، د، ق).
٢) أبو الأحوص سلام بن سليم (ت ١٧٩ هـ) (م، ق).
٣) أبو المحياة يحيى بن يعلى التميمي (ت ١٨٠ هـ) (م، ق).
٤) إسماعيل بن عياش (ت ١٨١ هـ) (ق).
٥) خلف بن خليفة (ت ١٨١ هـ) (م، ق).
٦) عبد اللَّه بن المبارك (ت ١٨١ هـ) (م، د، ق).
٧) علي بن هاشم بن البريد (ت ١٨١ هـ) (ق).
٨) محمد بن سليمان الأَصبهاني (ت ١٨١ هـ) (ق).
٩) والده: محمد بن إبراهيم بن أبي شيبة (ت ١٨٢ هـ).
١٠) هشيم بن بشير (ت ١٨٣ هـ) (م، ق).
١١) يحيى بن زكريا بن أبي زائدة (ت ١٨٣ هـ) (م).
1 / 24