Musāmarāt al-ẓarīf bi-ḥusn al-taʿrīf
مسامرات الظريف بحسن التعريف
Genres
Biographies and Classes
وهب أنها بالسحر أبلتْ محبَّها ... ومزقت الأحشاء تمزيق باضعِ
أليس لكل العاشقين توجع ... وتقطيع أكباد وهطل مدامعِ
على تلك التي إن مت من طول هجرها ... حييت بكتب من تحارير بارعِ
هو العالم الكشاف عن كل غمة ... هو الجحفل النحرير باني المصانعِ
تلذذ إذا أنصت صفو علومه ... تلذذ صب بالحمام السواجعِ
كأنَّ تقارير العفيف جواهر ... وأصدافها السُّماع أهل المناصعِ
إذا مشكل أدجى وأظلم ليله ... بدا رأيه مثل البروق اللوامعِ
بدا مثل بدر أذهب الحندس الذي ... تجاريه شهبٌ للعقول السواطعِ
سمي تحلّى بالمكارم والعُلا ... إلى طرق الخيرات خير مسارعِ
علي عفيف بالفخار مسربلٌ ... تقي نقي العرض عذب المشارعِ
وأنت الذي للعز سهّد جفنه ... وأرقه من نائم الطرف هاجعِ
وأين الذي يرضيه وطء بسيطه ... ومن ذا الذي يرضيه وهمُ المطالعِ
أرى كل طود للمكارم جامع ... وأنت من الأطواد (جمع الجوامعِ)
وتقدم لخطة قضاء المحلة المنصورة في أواخر رجب الأصب سنة ١٢٦٧ سبع وستين ومائتين وألف فسافر مع الأخوين المشيرين الثاني والثالث وكانا يشكران منه حسن المعاشرة، ثم تقدم لخطة الإفتاء فصار مفتيًا خامسًا يوم الأحد الخامس عشر من شعبان الأكرم سنة ١٢٧٧ سبع وسبعين، وافتصر على خطته بحيث أنه لم يقضِ بين اثنتين وكان عالمًا ثبتًا فاضلًا تقيًا حسن الإلقاء بعيدًا عن التكلف، محافظًا على مروءته، لم يطرق الأبواب ولم يقم في بيته على السائليلن حجاب، كثير الأاة والترنم حتى في تلاوته وإقرائه، كامل العفة ونظافة الثياب لم يتزوج قط، تقدم لمشيخ ة المدرسة المنتصرية بعد أن هاجر شيخنا الشيخ الحاج عبد الله الدراجي إلى المدينة المنورة وحضر الأمير في أختامه ولم يتصنّع فيها البتة، ومع ذلك كانت أختامع محررة تقع فيها المباحثات من الحاضرين متخلقًا بأخلاق الصالحين من القناعة مع سعة ذات يده، خرج من بيته في اشتداد القيظ فنادى على تابع له وأيقظه من نومه وأمره برفع ما توسده فإذا تحته حية عظيمة فقتلها ورجع إلىبيته.
وصدر له الإذن أولًا بالنيابة عن أيمة جامع الزيتونة عند تعذرهم ثم تقدم عليه وعلى من قبله إمامًا ثالثًا الشيخ صالح النيفر ثم قدمه المشير محمد الصادق باشا باي إمامًا ثالثًا في الثامن عشر من ربيع الأول سنة ١٢٨٥ خمس وثمانين ومائتين وألف، ثم قدمه جليفة للشيخ محمد الشريف أواخر ذي القعدة سنة ١٢٩٠ تسعين ومائتين وألف فزان المحراب والمنبر بحسن تلاوته وتأثير مواعظه التي تخشع بسماعها القلوب وكان مع ذلك إمامًا بجامع الزيتونة الأصغر خارج باب البحر يقيم به الجمعة والعيدين.
ولما توفي الشيخ محمد البنا صار مفتيًا رابعًا، ولما توفي الشيخ الطاهر ابن عاشور صار مفتيًا ثالثًا، ولما توفي الشيخ صالح النيفر بعد تقدمه للرئاسة صار مفتيًا ثانيًا.
وكان مع خططه المذكورة مواظبًا على التدريس لا يتخلف عن دروسه إلا بالمانع الأكيد وقد قرأ كتبًا كثيرة وانتفع به خلق عظيم، ومع كثرة دروسه لم يسمح لي الوقت بأخذ كثير عنه وإنما قرأت عليه نبذة من آخر الشفا للقاضي عياض وحضرت ختمه ونبذة من أول صحيح مسلم في مدة راحة المصيف وحضرت أختامه بالمدرسة.
ولم يزل على كما للاته ثنيان الفتوى والإمامة إلى أن توفي في الثاني والعشرين من جمادى الثانية سنة ١٢٩٢ اثنتين وتسعين ومائتين وألف، ودفن بالزلاج عليه رحمة الله وقد رثاه العالم الشاعر الشيخ سالم بوحاجب بقوله: [الكامل]
بتسابقي ذي الدار هل من دارِ ... إن المنيَّة غايةُ المضمارِ
وفي الترتيب السبق لقاء مح ... توم الردى بالبدء بالأخبارِ
مثل الذي قد صار هذا الرمس من ... بركاته متيم الزوارِ
الفاضل الحبر الهمام المرتضى ... بتقى وعلم منبر الأبرارِ
ذو همة أضحى اسمه وصفاته ... وكست معارفه برود وقارِ
ونزاهة قد صدّقت تلقيبه ... باسم العفيف جماع كل فخارِ
لله دوحة علمه كم أثمرت ... نفع الورى كل على مقدارِ
وفروعها دوحًا غدت وتفرعت ... منها فروعٌ جمة الأثمارِ
أبمثل هذا مات لا بل إنما ... غابت مشاهده عن الأبصارِ
1 / 259