Murur Fi Ard Hana
مرور في أرض الهناء ونبأ من عالم البقاء
Genres
ويساق المؤلف أحيانا - بحكم الضرورة - إلى ذكر شيء عن نفسه وعن قيمة كتابه في المقدمة، إلا أن الأمر على كون المؤلف يساق إليه مضطرا، فلا يبرح أن يكون معثرة، قال فولتر في كلام عن المقدمات: «إن الحديث عن «أنا» - كما قال باسكال - ممقوت. قلل الحديث عن نفسك ما استطعت، فإن محبة الذات في القارئ ليست أقل منها فيك، إنه لن يغتفر لك أقل محاولة لإكراهه على أن يحبك.»
وذلك سبب.
ثلاثة وقد تكون هي كل الأسباب التي لأجلها جرى بعض كتاب الغرب على تصدير بعض الكتب بمقدمات لغير المؤلفين.
أما في السبب الأول، فلكي يشهد صاحب المقدمة لمعشر القارئين بأنه طالع الكتاب ورآه حريا بالمطالعة، وهو على الغالب لا يكتب المقدمة إذا لم يوافقه ضميره على هذه الشهادة.
أما في الثاني، فلكي يبدي رأيه في آراء المؤلف وأفكاره، كأخصائي في موضوع الكتاب.
أما في الثالث، فلكي يقول عن المؤلف وعن الكتاب ما تحكم الضرورة بأن يقال، ولا يستطيع المؤلف أن يقوله عن نفسه وعن كتابه.
قدمت هذا البيان لأني - على ما أظن - أول كاتب عربي ينشئ مقدمة لكتاب لكاتب آخر، بطلب من صاحب الكتاب نفسه.
ولقد بحثت فيما عساه أن يكون من هذه الأسباب، الأمر الذي حمل شكري أفندي الخوري على أن يسألني مطالعة هذا الكتاب، فكتابة كلمة يصدر بها، فكانت نتيجة بحثي أن الأمر لا يمكن أن يكون متفرعا من السبب الأول والثالث من الأسباب الثلاثة التي بسطتها، فإن المؤلف معروف وله جمهور يطالعه، فهو غني عن أن يشهد لكتابه بأنه حري بالمطالعة، وموضوع الكتاب لا يقضي على مؤلفه بأن يورد في المقدمة شيئا عن نفسه. ولم يبق إلا أن الصديق أحسن بي نيته فعدني أخصائيا في موضوع كتابه ، ويريد أن أبسط رأيي في الأقوال التي تزدان بها هذه الصفحات التالية. •••
منذ نحو ثلاثة أشهر وردني من شكري أفندي الخوري نسخة من نشرة أذاعها في عزمه على طبع كتاب عنوانه «مرور في أرض الهناء ونبأ من عالم البقاء»، ولا أقول إنني لم أحفل بموضوع النشرة، ولكنني لم أتوقع من وراء العنوان شيئا كبيرا، غاية ما قدرت أن وراء العنوان تصورا جميلا، فلما كلفت مطالعة أول نسخة جمعت من الكتاب لأكتب له مقدمة - وعهدي أن الكتب التي يكتب مقدماتها غير مؤلفيها يجب أن تكون سامية الموضوع خطيرة الشأن - ضايقني أنني وقعت بين محظورين، لا هان علي أن أكتب مقدمة لكتاب لا أتوقع أنه يستحق هذا الاهتمام، ولا هان علي أن أقول للصديق: إن الكتاب لا يستحق كل هذه العناية. ما خطر لي أن ذلك التصور الجميل الذي تم لي به عنوان الكتاب سيكون قالبا بديعا لأبحاث ومواضيع ذات شأن خطير.
انظر ما هو هذا الشيء الذي يجب أن يصفق له الكتاب الذين يعتبرون هذه القاعدة أول قواعد الإنشاء؛ التوفيق بين الأسلوب والغرض.
Unknown page