Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
وهذا التفصيل بين الجنسين من الجن لم يرد به خبر، ولا صح به أثر، وإنما ذلك من توهم الأعراب على حسب ما بيناه آنفا.
النسناس
وقد غلب على كثير من العوام الأخبار عن معرفة النسناس وصحة وجوده في العالم كالأخبار عن وجوده في الصين وغيرها من الممالك النائية والأمصار القاصية فبعضهم يخبر عن وجودهم في المشرق، وبعضهم في المغرب، فأهل المشرق يذكرون كونها بالمغرب، وأهل المغرب يذكرون أنها بالمشرق، وكذلك كل صقع من البلاد يشير سكانه إلى أن النسناس فيما بعد عنهم من البلاد ونأى من الديار.
وقد رووا في ذلك خبرأ مخرجه من طريق الآحاد أن ذلك في بلاد حضرموت من أرض الشحر، وهو ما ذكره عبد الله بن سعيد بن كثير بن عفير المصري، عن أبيه عن يعقوب بن الحارث بن نجيم، عن شبيب بن شيبة بن الحارث التميمي، قال: قدمت الشحر فنزلت على رأسها، فتذاكرنا النسناس، فقال: صيدوا لنا منها، فلما أن رجعت إليه مع بعض أعوانه المهربين إذ أنا بنسناس منها، فقال لي النسناس: أنا بالله وبك، فقلت لهم: خلوه، فخلوه، فلما حضر الغداء قال: هل اصطدتم منها شيئأ؟ قالوا: نعم؛ولكن خلا ضيفك، قال: استعموا فأنا خارجون في قنصه، فلما خرجنا إلى ذلك في الشحر خرج منها واحد يدمو وله وجه كوجه الإنسان وشعرات في ذقنه، ومثل الثدي في صدره، ومثل رجلي الإنسان رجلاه، وقد ألظ به كلبان، وهو يقول:
الويل لي مما به دهانى ... دهري من الهموم والأحزان
قفا قليلا أيها الكلبان ... واستمعا قولي وصدقاني
إنكما حين تحارباني ... ألفيتماني حضرا عناني
لولا سباتي ما ملكتماني ... حتى تموتا أو تفارقاني
لست بخوار ولا جبان ... ولابنكس رعش الجنان
لكن قضاء الملك الرحمن ... يذل ذا القوة والسلطان
قال: فالتقيا به فأخذاه، ويزعمون أنهم ذبحوا منها نسناسا، فقال قائل منها: سبحان الله، ما أشد حمرة دمه! فذبحوه أيضا، فقال نسناس آخر من شجرة: كان يأكل السماق، قال: فقالوا نسناس آخر خذوه، فأخذوه وذبحوه، فقالوا: لو سكت هذا لم يعلم بمكانه، فقال نسناس من شجرة أخرى: أنا صمت قالوا: نسناس، خذوه فأخذوه فذبحوه فقال نسناس من شجرة أخرى: يا لسان احفظ رأسك، فقالوا: نسناس خذوه، فأخذوه، وزعم من روى هذا الخبر أن المهرة تصطادها في بلادها وتأكلها.
Page 256