222

Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar

مروج الذهب ومعادن الجوهر

ثم إن تلك الأمم بأدت ومرت عليها السنون، وضربها الدهر بضرباته وطحنها بكلكله، وعمل الماء في أصول ذلك المخراق، وأضعفه ممر السنين عليه وتدافع الماء حوله، وقد قيل في المثل: إذا أثر تواتر الماء طى الحجر الصلد فما ظنك بسيل يتدافع على حديد وحجرمصنوع؟. فلما سكنت أبناء قحطان ما وصفنا من هذه الدياروتغلبت على من كان فيها السد والبنيان في الضعف عنه على السد والمخراق والبنيان، فقنف به جريه ورمى به في تياره، وذلك إبان زياعة الماء، واستولى الماء على تلك الديار والجنان والعمائر والبنيان، حتى انقرض سكان تلك الأرض، وزالوا عن تلك المواطن، فهقه جملة من أخبار سيل العرم وبلاد سبأ.

العرم

ولا خلاف بين ذوي الدراية منهم أن العرم هو المسناة التي قد أحكموا عملها لتكون حاجزأ بين ضياعهم وبين السيل، ففجرته فأرة، ليكون ذلك أظهر في الأعجوبة، كما أفار الله تعالى ماء الطوفان من جوف تنور ليكون أثبت في العبرة وأوكد في الحجة، ولايتنا كر أحلاف قحطان من أهل تلك الديار إلى هذا الوقت ما كان من العرم؛ لاستفاضته فيهم، وشهرته عندهم.

مفاخرة عند السفاح بين قحطاني وعدناني

وقد فخر بعض أولاد قحطان في مجلس السفاح بمناقب قحطان من حمير وكهلان على ولد نزار، وخالد بن صفوان وغيره من نزار بن معد منصتون هيبة للسفاح؛ لأن أخواله من قحطان، فقال السفاح لخالد بن صفوان: ألا تنطق وقد غمرتكم قحطان بشرفها وعلت عليكم بقديم مناقبها؟ فقال خالد: ماذا أقول لقوم ليس فيهم إلا دابغ جلد، أو ناسج برد، أو سائس قرد، أو راكب عرد، أغرقتهم فأرة، وملكتهم امرأة، ودل عليهم هدهد، ثم من مر في ذمهم إلى أن انتهى إلى ما كان من قصتهم وتملك الحبشة وما كان من استنقاذ الفرس إياهم على حسب ما قدمنا آنفا.

العرم في شعر العرب

فى بد ذكروا في أشعارهم العرم، وما كان لسبأ وأرض مأرب، وأن مأرب سمة للملك الذي كان يتملك على هذه البلدة، وأن هذا الاسم وقع على هذا البلد فاشتهر به وصار سمة له، وقال الشاعر:

من سبأ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من دون سيله العرما

وقد قيل: إن مأرب سمة لقصر هذا الملك في صدر الزمن، قال أبو الطلمحان في ذلك:

ألم تروا مأربا ما كان أحصنه ... وما حواليه من سور وبنيان؟

ظل العبادئ يسقي فوق قلته ... ولم يهب ريب دهر جد خؤان

حتى تناوله من بعد ما هجعوا ... يرقى إليه على أسباب كتان

وقد ذكر الأعشى في شعره ما وصفناه حيث يقول في كلمته:

ففي ذاك للمؤتسي أسوة ... بمأرب عفى عليها العرم

رخام بناه لهم حمير ... إذا جاء فأغنى ماؤهم لم يرم

فأغنى الحروث وأغن أمه ... على ساعة ماؤهم قد قسم

فطار الفيول وفئالها ... بها في فيافي سراب يطم

وكانوا بذلكم حقبة ... فمال بهم جارف منهدم

فطاروا سراعا وما يقدو ... ن منه لشرب صبي فطم

طول العمر وعمر النسور

وقد ذكرنا في كتابنا أخبار الزمان الملك الذي طال عمره وحسنت سيرته؛ وأنه بنى هذا السد الذي هو المسناة، وأن عمره انتهى على عمر النسور، عند ذكرنا لطول الأعمار، وقد أكثرت العرب في صفه طول عمر النسر، وضربت به الأمثال، وبلبد، وبصحة بدن الغراب؛ فمن ذلك ما ذكره الخزرجي في شعره عند ذكره لطول عمرمعاذ بن مسلم بن رجاء مولى القعقاع بن حكيم من قوله فيه عند ذكره سنة وهرمه، وهو:

إن معاذ بن مسلم رجل ... قد ضج من طول عمره الأبد

قد شاب رأس الزمان واختضب الحصر وأثواب عمره جدد

يانسر لقمان كم تعيش؟ وكم ... تلبس ثوب الحياة يالبد

قد أصبحت دار حمير خربت ... وأنت فيها كأنك الوتد

نسأل غربانها إذا حجلت ... كيف يكون الصداع والرمد

علة طول الأعمار ونقصها

Page 241