Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
قال المسعودي: ولم يزل عمرانها يتناقص من الوقت الذي ذكرنا إلى صدر من أيام المعتضد، فإنه استولى عليها الخراب، وقد كان جماعة من خلفاء بني العباس - كالسفاح، والمنصور، والرشيد، وغيرهم - ينزلونها يصلون المقام بها لطيب هوائها، وصفاء جوهرها، وصحة تربتها، وصلابتها، وقرب الخورنق، والنجف منها، وقد كان فيها ديارات كثيرة فيها رهبان، فلحقوا بغيرها من البلاد، لتداعي الخراب إليها، وأقفرت من كل أنيس في هذا الوقت ليس بها إلى الصدى والبوم، وعند كثير من أهل الدراية التامة بما يحدث في المستقبل من الزمان: أن سعدها سيعود بالعمران، وأن هذا النحس عنها سيزول؛ وكذلك الكوفة. قال المسعودي: ولمن سمينا من ملوك الحيرة أخبار وسير وحروب قد أتينا على ذكرها والغرور من مبسوطها في كتابنا أخبار الزمان، وفيما بعد من هذا الكتاب فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الباب.
ذكر ملؤك الشام من اليمن من غسان وغيرهم من الملوك
أول ملوك الشام
كان أول من ملك الشام من اليمن فالغ بن يغور.
ثم ملك بعده يوتاب، وهو أيوب بن رزاح، وقد ذكر الله عز وجل في كتابه ما كان من خبره على لسان نبيه، وما اقتص من أمره، ثم غلبت الروم على ديارها، فتفرقوا في البلاد، وكانت قضاعة بن مالك بن حمير أول مي نزل الشام، وانضافوا إلى ملوك الروم، فملكوهم بعد أن دخلوا في النصراينة على من حوى الشام من العرب.
تنوخ ونسبها
وكان أول من ملك من تنوخ النعمان بن عمرو بن مالك، ثم ملك بعده عمرو بن النعمان بن عمرو، ثم ملك بعده الحواري بن النعمان، ولم يملك من تنوخ إلا من ذكرنا، وهو تنوخ بن مالك بن فهم بن تيم اللات بن الأزد بن وبرة بن ثعلبة بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير.
وقد تنوزع في قضاعة: أمن معد كان أم من قحطان؟ فقضاعة تأبى أن تكون من معد، وتزعم أنها من قحطان، على ما ذكرنا.
وقد قيل في نسب قضاعة واتصالها بحمير غير ما ذكرنا من النسب.
سليح ونسبها
ثم وردت سليح الشام فغلبت على تنوخ، وتنصرت فملكتها الروم على العرب الذين بالشام، وهم ولد سليح بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة، فاستقام ملك سليح بالشام، وتفرقت قبائل العرب لما كان بمارب وقصة عمرو بن عامر مزيقياء؛فسارت غسان إلى الشام وهم من ولد مازن، وذلك أن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ولد مازن، وإليه ترجع جميع قبائل غسان، وإنما غسان ماء شربوا منه فسموا بذلك وهو ما بين زبيد ورمع، وادي الأشعريين بأرض اليمن وفي ذلك يقول حسان بن ثابت الأنصاري:
إما سألت فإنا معشر نجب ... الأزد نسبتنا، والماء غسان
وسنذكر بعد هذا الموضع خبر عمرو بن عامر مزيقياء، وخبر سيل العرم، وتفرقهم في البلاد، وخبر الماء المعروف بغسان، وقد ذكر أن عمرو بن عامر حين خرج من مأرب لم يزل مقيما على هذا الماء إلى أن أدركه الموت، وكان عمره ثمانمائة سنة: أربعمائة سوقة، وأربعمائة ملكا.
ملوك غسان على الشام
وغلبت غسان على من بالشام من العرب، فملكها الروم على العرب، فكان أول من ملك من ملوك غسان بالشام: الحارث بن عمرو بن عامر بن حارثة بن أمرىء القيس بن ثعلبة بن مازن، وهو غسان بن الأزد بن الغوث.
ثم ملك بعده الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو بن عامر بن حارثة و أمه مارية ذات القرطين بنت أرقم بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو، وذكر أنها مارية بنت ظالم بن وهب بن الحارث بن معاوية بن ثور وهو كندة، وهي التي ذكرتها الشعراء في أشعارها، وتنسب جماعة من ملوك غسان إليها.
وملك بعده النعمان بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو.
ثم ملك بعده المنزر أبو شمر بن الحارث بن جبلة بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو.
ثم ملك بعده عوف بن أبي شمر.
ثم ملك بعده الحارث بن أبي شمر فكان ملكه حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حسان والحارث الغساني
وذكر عدة من الإخباريين أن حسان بن ثابت الأنصاري زار الحارث بن، أبي شمر الغساني بالشام - وكان النعمان بن المنزر اللخمي ملك الحيرة يساميه - فقال له وهو عنده: يابن الفريعة، لقد نبئت أنك تفضل النعمان علي، فقال: وكيف أفضله عليك!! فوالله لقفاك أحسن من وجهه، ولامك أشرف من أبيه، ولأبوك أشرف من جميع قومه، ولشمالك أجود من يمينه، ولحرمانك أنفع من نداه، ولقليلك أكثر من كثيره، ولثمادك أمرع من غديره، ولكرسيك أرفع من سريره، ولجداولك أغور من بحره، وليومك أطول من شهره، ولشهدك أمدة من حوله، ولحولك خير من حقبه،ولزندك أورى من زنده، ولجندك أعز من جنده، وإنك من غسان وإنه من لخم، فكيف أفضله عليك أو أعدله بك فقال: يابن الفريعة، هذا لا يسمع إلا في شعر، فقال:
Page 211