Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
وكانت الزباء لا تأتي حصنا إلا ضفرت شعر استها من خلفه، ثم تقاعست فتقلعه، حتى فعلت ذلك بمارد - حصن دومة الجندل - وبالأبلق - حصن تيماء - حصنين منيعين، فقالت: تمرد مارد وعز الأبلق فذهب مثلا، وهما الحصنان اللذان تذكرهما العرب في أشعارها كثيرا، قال الأعشى في ذلك: بالأبلق الفرد من تيماء منزله ... حصن حصين وجار غير غدار
وجذيمة الوضاح الذي يقول فيه:
ماست مودعة الحديث فمنجد منهم وغائما
أن تاه إحدى ذو رعين لنا وأحوى ذو أباعر
والملك كان لذي نوا ... س حوله من ذي بحائر
بالسابغات وبالقنا ... والبيض تبرق والمغافر
أزمان عملاق وفيهم منهم باد وحاضر
وإنما سمي جذيمة الأبرش الوضاح لأنه كان به برص، فكنى عنه إعظاما له قال المسعودي: هذا بدء خبر بني عدي، وقد قدمنا أن مدة ملكه كانت مائة سنة.
بقية ملوك الحيرة
وملك بعده ولده امرؤالقيس بن عمروبن عدي ستين سنة.
وملك بعده عمر وبن أمرىء القيس، وهو محرق العرب خمسا وعشرين سنة، وكانت أمه مارية البرية أخت ثعلبة بن عمرو من ملوك غسان.
وملك النعمان بن أمرىء القيس قاتل الفرس خمسا وستين سنة، وكانت أمه الهيجمانة بنت سلول من مراد، ويقال: من إياد.
وملك المنزر بن النعمان ابن أمرىء القيس خمسأ وعشرين سنة، وكانت أمه الفراسية بنت مالك بن المنزر، من آل نصر.
وملك النعمان بن المنزر فارس حليمة، وهو الذي بنى الخورنق وكرعس الكراديس خمسا وثلاثين سنة، وكانت أمه هند بنت زيد مناة من ال غسان.
وملك الأسود بن النعمان؛ عشرين سنة، وكانت أمه هند بنت الهيجمانة، من آلى نصر.
وملك المنزر بن الأسود بن النعمان بن المنزر أربعا وثلاثين سنة، وكانت أمه ماء السماء بنت عوف بن النمر بن قاسط بن هيت بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعه بن نزار، وإنما سميت ماء السماء لحسنها وجمالها.
ثم ملك بعده عمرو بن المنزر، أربعا وعشرين سنة، وكانت أمه حليمة بنت الحارث من آل معد يكرب.
وملك المنزر بن عمرو بن المنزر، ستين سنة، وكانت أمه أخت عمرو بن قابوس من آل نصر.
ثم ملك قابوس بن المنزر ثلاثين سنة، وكانت أمه هند بنت الحارث، من آل معاوية بن معد يكرب.
وملك النعمان بن المنزر، وهو الذي يقال له: أبيت اللعين! اثنتين وعشرين سنة، وكانت أمه سلمى بنت وائل بن عطية من كلب.
بين النابغة والنعمان
وذكر عدة من الأخباريين أن النابغة استأذن على النعمان يوما، فقال له الحاجب: إن الملك على شرابه، قال النابغة: فهو وقت الملق، تقبله الأفئدة، وهو جذل للرحيق والسماع، فإن تلج تلق المجد عن غرر مواهبه، فأنت قسيم ما أفدت، قال له الحاجب: ما تفي عنايتي بدون شكرك، فكيف أرغب فيما وصفت وعون ما طلبت رهبة التعدي؟. فهل من سبب؟ قال النابغة: ومن عندي؟ قال الحاجب: خالد بن جعفر الكلابي نديمه، فقال النابغة: هل لك إلى أن تؤدي إلى خالد عني ما أقول لك؟؛ قال: وما هو؟ قال: تقول إن من قدرك وفاء الدرك بك وناحيتي من الشكر ما قد علمت، فلما صار خالد إلى بعض ما تبعثه موارد الشراب عليه نهض، فاعترضه الحاجب، فقال: ليهنك أبا البسام حادث النعيم، قال: وما ذاك؟ فأخبره الخبر، وكان خالد رفيقا، يأتي الأشياء بلطف وحسن بصيرة، فدخل مبتسما، وهو يقول:
إلا لمثلك أو من أنت سابقه ... سبق الجواد إذا استولى على الأمد
واللات لكأني أنظر إلى أملاك ذي رعين، وقد مدت لهم قضبان المجد إلى معالم أحسابكم، ومناقب أنسابكم، في حلبة أنت - أبيت اللعن! - غرتها فجئت سابقا متمهلأ، وجاءوا لم يلم لهم سعي، قال النعمان: لأنت في وصفك أبلغ إحسانا من النابغة في نظام قافيته، فقال خالد: ما أبلغ فيك حسنأ إلا وهو دون قدرك استحقاقا للشرف الباهر، ولو كان النابغة حاضرأ لقال وقلنا، فأمر النعمان بإدخاله، فخرج إليه الحاجب، فقال النابغة: ما وراءك فقال: قد أذنت بفتح الباب، رفع الحجاب، ادخل، فدخل ثم انتصب بين يديه، وحياه بتحية الملك، وقال: أبيت اللعن! أتفاخر وأنت سائس العرب، وغرة الحسب، واللات لأمسك أيمن من يومه، ولقفاك أحسن من وجهه، وليسارك أسمع من يمينه، ولو عدك أصلح من رفده، ولعبيدك أكثر من قومه، ولأسمك أشهر من قدره، ولنفسك أكبر من جده، وليومك أشرف من دهره، ثم قال:
أخلاق مجدك جلت ما لها خطر ... في الجود والبأس بين العلم والخبر متؤج بالمعالي فوق مفرقه ... وفي الوغى ضيغئم في صورة القمر
Page 208