Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
واستأذن إبراهيم سارة في زيارة إسماعيل، فاستحلفته غيرة عليه أنه إذا أتى الموضع لا ينزل من ركابه، وقد تنازع الناس على أي شيء كان ركوبه: فمنهم من قال: إنه كان راكبا على البراق، ومنهم من قال: على أتان، وقيل غير ذلك من الحيوان، فلما أتى إبراهيم الوادي سلم على زوجة إسماعيل الجرهمية، فسلمت عليه، ورحبت به وتلقته بأحسن لقاء، وسألها عن إسماعيل وهاجر، فأخبرته بخبرهما، وأنهما في رعيهما، وعرضت عليه النزول، فأبى، وقيل: إن هاجر كانت قد ماتت ولها من السن تسعون سنة، وألحت الجرهمية على إبراهيم في النزول، فأبى، فقدمت إليه لبنا وشرائح من لحم الصيد، فدعا فيه بالبركة، وجاءته بحجر كان في البيت، فمال عن ركابه، وجعلته تحت قدمه اليمنى، ثم رجلت شعره ودهنته، ثم حولت الحجر إلى شماله، فوضع رجله اليسرى عليه أيضا، ومال برأسه نحوها، فرجلته ودهنته، فأثرت قدماه في الحجر على ما وصفنا من ترتيب اليمين والشمال، فلما رأت الجرهمية ذلك أكبرت ما شاهدته، وهذا الحجر هو مقام إبراهيم، فقال لها إبراهيم: ارفعيه، فسيكون له شأن ونبأ بعد حين، ثم قال لها: إذا جاءك إسماعيل فقولي له: إن إبراهيم يقرأ عليك السلام ويقول لك: احتفظ بعتبة بيتك، فنعم العتبة هي، وسار إبراهيم راجعا نحو الشام.
سر تسمية إسماعيل
وقيل : إنما سمي إسماعيل لأن الله سمع دعاء هاجر ورحمها حين هربت من سيدتها سارة أم إسحاق، وقيل: إن الله سمع دعاء إبراهيم.
وقبض إسماعيل وله مائة وسبع وثلاثون سنة ؛ فدفن في المسجد الحرام حيال الموضع الذي كان فيه الحجر الأسود.
أبناء إسماعيل
وولد لإسماعيل اثنا عشر ولدا ذكرا، وهم نابت، وقيدار، وأدبيل، ومبسم، و مشمع، ودوما، وعوام، ومسا، وحداد، وثيما، ويطور، ونافش وكل هؤلاء قد أنسل.
بناء الكعبة
وقد كان إبراهيم قدم إلى مكة ولإسماعيل ثلاثون سنة، حين أمره الله تعالى ببناء البيت، فبناه، وكان إسماعيل يأتي بالحجر من عدة جبال ذكرت، وطوله ثلاثون ذراعا، والحجر فيه وهو سبعة أفرع، وعرضه اثنان وعشرون ذراعا، وسمكه سبعة أفرع، وجعل له بابا، ولم يسقف، ووضع الركن موضعه، وألصق المقام بالبيت، وذلك قوله عز وجل: " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل " الآية، وأمر الله تعالى إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج.
ولاة البيت من جرهم وأبناء إسماعيل
Page 188