Murug al-dahab wa-maʿadin al-gawhar
مروج الذهب ومعادن الجوهر
ولاثنتي عشرة سنة من ملكه تخرم عليه الملك، وتداعت أركانه،وزحفت إليه الأعداء، وكثرت عليه الخوارج، وقد كان أزال أحكام الموابذان. فخربت بذلك السنة المحمودة والشريعة المعهودة، وغير الأحكام، وأزال الرسوم، وكان ممن سار إليه سابة بن شب عظيم من ملوك الترك في أربعمائة ألف، فنزل نحو بلاد هراة وبدغيس وبوشنج من أرض خراسان، وسار إليه من أطارف أرضه طراخنة من الخزر في جيش عظيم، فشنوا الغارات فيما بين ذلك الصقع بخيل أوقعت، وملوك تهادنت، وتواهبت ما كان بينها من الحماء مما يلي جبل القبخ، وسار بطريق لقيصر في ثمانين ألفا مما يلي الجزيرة، وسار مما يلي اليمن جيش عظيم للعرب من قحطان ومعد، وعليهم العباس المعروف بالأحول وعمرو الأفوه، فاضطرب على هرمز أمره وأحضر الموابذة وذوي الرأي منهم من بعد إخماله لهم وشاورهم، فكان من نتيجة رأيهم موادعة الوجوه الثلاثة وإرضاؤهم والإقبال على شابة بن شاب، فانتدب لحربه بهرام جوبين مرزبان الري، وكان بهرام هذا من ولد جوبين بن ميلاد من نسل أنوش المعروف بالرام فسار في اثني عشر ألفا، وشابة في أربعمائة ألف، فكانت لبهرام معه خطوب ومراسلات من ترغيب وترهيب وحيل في الحرب، إلى أن قتله بهرام، واستباح عسكره، واستولى على خزانته وأمواله، وبعث إلى هرمز برأسه، وقد كان برمودة بن شابة ولده تحصن في بعض القلاع من بهرام، فنزل عليه بهرام، فنزل برمودة على حكم هرمز، وسار إليه، وحمل بهرام حملا من الغنائم وما كان أخذه من شابة مما كان معه من تركات الملوك، مثل ما كان في خزائن فراسياب من الأموال الجواهر التي كان أخذها من سياوخش، وما كان بأيدي الترك من تركات بهراسف ملك الترك مما أخذه من خزائن يستاسف من مدينة بلخ وغيرها من ذخائر ملوك الترك السالفة، فلما انتهى ما وصفنا من الأموال والجواهر وغير ذلك من الغنائم من قبل بهرام حسده وزير هرمز أريخسيس الخوري، وقد نظر إلى إعجاب هرمز بما حمل إليه بهرام وسروره به، فقال: أعظم هذه زلته، وعرض لهرمز بخيانة بهرام، واستبداده بأكثر الجواهر والأموال والغنائم، وأغراه به، فعصاه بهرام، ثم احتال بهرام بدراهم ضرب عليها اسم كسرى أبرويز، ودس أناسا من التجار فأنفقوها بباب هرمز، فتعامل بها الناس، وكثرت في أيديهم، وعلم بها هرمز، فلم يشك في أن أبرويز ضربها طلبا للملك، فهم به هرمز وهولا يشك أن ذلك من فعله، ولم يعلم أن الحيلة في ذلك من بهرام، فهرب أبرويز من أبيه لتغيره عليه، ولحق ببلاد أذربيجان وأرمينية والران والبيلقان، وحبس هرمز خالي أبرويز بسطام وبندويه، فأعملا الحيلة في محبسهما وخرجا فانضاف إليهما خلق من الجيش فدخلا على هرمز فسملا عينيه وأعمياه،. فلما نمي ذلك إلى أبرويز سار إلى أبيه فدخل عليه وأخبره أنه لا ذنب له في ذلك، وإنما هرب خوفا على نفسه منه، فتوجه هرمز وسلم الملك إليه، ونمي ذلك إلى بهرام جوبين فسار في عساكره يؤم الباب ودار الملك، فخرج إليه أبرويز، فالتقيا على شاطىء النهروان، والنهر بينهما، فتواقعا، وكان لهما خطب طويل من تقاذف وتشاتم، ثم كانت بينهما حروب انكشف فيها أبرويز لتخلف أصحاب عنه وميلهم إلى بهرام، فقام تحته فرسه المعروف بشبدار وهو المصور في الجبل، وهو ببلاد قرماسين من أعمال الدينور من ماء الكوفة هو وأبرويز وغير ذلك من الصور، وهذا الموضع من إحور عجائب العالم، وغرائب ما فيه من الصور العجيبة المنقورة في الصخر، والفرس تذكر في أشعارها وغيرها من العرب هذا الفرس المعروف بشبدار، وقد كان أبرويز على شبدار في بعض الأيام فانقطع عنانه، فدعا بصاحب سروجه ولجمه، فأراد ضرب عنقه لما لم يتعهد العنان، فقال: أيها الملك، ما بقي سير يحيد به ملك الإنس وملك الخيل، فأطلقه، وأجازه، ولما بلح هذا الفرس تحت أبرويز وقصر طلب إلى النعمان في المعركة أن يمن عليه بفرسه المعروف باليحموم، فأبى عليه، ونجا عليه بنفسه، ونظر حسان بن حنظلة بن حية الطائي إلى أبرويز وقد خانته الرجال وأشرف على الهلاك، فأعطاه فرسه المعروف بالصبيب، وقال له: أيها الملك، انج على فرسي فإن حياتك للناس خير من حياتي، وأعطاه أبرويز فرسه شبدار فنجا عليه في جملة الناس، ومضى أبرويز إلى أبيه؟ ففي ذلك يقول حسان بن حنظلة الطائي:
وأعطيت كسرى ما أراد، ولم أكن ... لأتركه في الخيل يعثرراجلا
بذلت له ظهر الصبيب وقد بدت ... مسومة من خيل ترك ووائل
فكافأه أبرويز بعد ذلك، وعرف له ما صنع، ولما سار أبرويز من الهزيمة إلى أبيه هرمز أشار عليه أن يلحق بقيصر ويستنجده فإن الملوك إذا استنجدت في مثل هذه الحالة أنجدت، في خطب طويل جرى بينه وبين أبيه، فمضى أبرويز وتبعه غيره من الخواص،وخالاه بسطام وبندويه، وعبر دجلة، وقطع الجسر خوفا من خيل بهرام، ونظرفي مسيره ذلك اليوم إلى خاليه، وقد تأخرا عنه، فاستراب بهما وبمن أنضاف إليهما ممن كان معهم، فسألهما عن السبب، فقالا: لسنا بآمنين أن يدخل بهرام إلى أبيك هرمز فيضع تاج المملكة على رأسه، وإن كان أعمى، ويصير هو الهرمزان، وتفسير ذلك أمير الأمراء، والروم تسمي صاحب هذه الموتبة الدمستق، فيكتب بهرام عن أبيك هرمز إلى قيصر: إن ابني أبرويز وجماعة انضافوا إليه وثبوا بي وسملوا عيني، فاحمله إلي، فيحملنا قيصر إليه، فيأتي علينا بهرام، ولا بد لنا من الرجوع إلى أبيك وقتله، فناشدهماالله أن لا يفعلا ذلك، وأظهر فيما ذكر عنه، البراءة من فعلهما، فرجعا من فورهما، ومن تسرع معهما إلى المدائن وقد صاروا على أميال منها فدخلا على هرمز فخنقناه، ولحقا بأبرويز، ولحقتهم خيل بهرام، وكانت بينهم حملة في بعض الديارات إلى أن تخلصوا من تلك الخيل، وسار أبرويز ففي هرمز يقول ورقة بن نوفل :
لم يغن هرمز شيء من خزائنه ... والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
Page 120