[المقدمة]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تعريف
عزيزي القارئ.. هذا كتاب آخر خطّة قلم مؤلّف مغربي- أندلسي- يثبت تماسك هذه الأمة وتلاحمها.. إلّا يكن في حيّز المكان.. ففي تحاور الفكر والوجدان، المؤلّف سبق لنا الالتقاء به، فهو خاتمة تلك العصبة المباركة التي أخرجت لنا كتاب (المغرب في حلي المغرب) الذي قدّمت (الذخائر) أحد أجزائه وهو الخاصّ بمدينة الفسطاط.
وأما الكتاب فإنّ عنوانه التصويريّ الشاعريّ (المقتطف من أزاهر الطّرف) يوحي ببعض ما فيه، فهو روضة تزهو فيها خمائلها الاثنتا عشرة، ولعله قصد أن تكون الخمائل بعدد شهور السّنة، وأن روضته تظل طوال الفصول- ورغما عنها- مورقة نضرة، يجد المتأمّل فيها كلّ ما يسرّ ناظره ويمتع سمعه، وينعش روحه من ثمار هذه الروضة وأزهارها.
الثمار والأزهار هنا قطوف من المنظوم والمنثور، من فصيح وملحون، من مختلف الأنواع والمستويات، لمبدعين شتّى من مختلف البلدان والطبقات، أطلق عليها المؤلّف عديدا من الأسماء والصفات.
€
المقدمة / 5
ذلك بعض ما يوحى به عنوان الكتاب، أما ما لا يوحي به، مما تجده في ثنايا صفحاته وبين سطوره، فهو مواصلة ذلك الحوار الطّيب المثمر بين عقول هذه الأمّة في شرقها وغربها، الحوار والجدل- وربّما الخلاف- ولكنه خلاف يقطع بحريّة الفكر واستقلال الرأي، ويؤكد- في الوقت نفسه- روح الحرص على التكامل والوحدة.
لقد حدثتك- عزيزي القارئ- من قبل عن صنيع ابن شهيد ت ٤٢٦ هـ في (التوابع والزوابع) وهو يسعى إلى مساماة كبار شعراء المشارقة، ثم حدثتك عن صنيع ابن سناء الملك ت ٦٠٨ هـ في (دار الطّراز) وهو يسعى إلى مساماة كبار شعراء المغرب، في الموشحات خاصّة، ثم وهو ينظّر لفنّ التوشيح- المغربيّ النشأة على الأرجح- وها أنت ذا تجد في (المقتطف) ذلك الحوار بين ابن سعيد مؤلّف الكتاب والملك الناصر يوسف الأيوبي سلطان الشام، وفيه يقرّر الأول أن الموشح والزّجل طرازان ابتدأهما المغاربة- يعنى الأندلسيّين- ليقرر الثاني أنّ فنّ الدّوبيت إنما هو من إحسان المشارقة، ليتّفق الرجلان على أنّ المحاسن قد قسّمها الله تعالي على البلاد والعباد.
ألست معي في أننا أرسينا من قديم أسس الحوار والتفاهم حين كان الآخرون يؤسسون للصّراع والتصادم؟
عبد الحكيم راضي سبتمبر ٢٠٠٤
€
المقدمة / 6
محقق الكتاب
الأستاذ الدكتور سيد حنفي حسنين- تخرج في كلية الآداب ١٩٥٥- حصل على الدكتوراه ١٩٦١- عيّن مدرّسا فأستاذا مساعدا ثم أستاذا للأدب العربي بآداب القاهرة ١٩٧٨.
- عمل أستاذا زائرا في جامعات أسبانيا وأمريكا اللاتينية.
- أعير إلى جامعة الملك سعود بالرياض.
- عمل مستشارا ثقافيا ومديرا للمعهد المصري للدراسات الإسلامية بمدريد من ١٩٨٥- ١٩٨٨.
- عمل وكيلا للدراسات العليا بكلية الآداب من ١٩٨٢- ١٩٨٥.
- تولّى عمادة آداب القاهرة فرع بني سويف من ١٩٨٨- ١٩٩٧.
من أعماله العلمية:
- تحقيق ديوان حسّان بن ثابت- تحقيق كتاب (المقتطف) الذي نصدره فى هذه الطبعة- الفروسّية العربية في العصر الجاهلي ١٩٦٠- الشعر الجاهلي: مراحله واتجاهاته الفنية- شعر بشار بن برد بين النظرية والتطبيق- حسّان بن ثابت شاعر الرسول- أعلام العرب- له العديد من البحوث والدراسات- بالعربيّة والأسبانية- نشرت بالمجلات العلمية المتخصصة في مصر والخارج.
€
المقدمة / 7
(بسم الله الرحمن الرحيم)
الجديد في مقتطف ابن سعيد
(مقدمة خصّ بها الأستاذ المحققّ طبعة الذخائر) حين قمت بتحقيق كتاب المقتطف من أزاهر الطرف لابن سعيد الأندلسى في الفترة من ١٩٧٦ إلى ١٩٧٨ كان اهتمامي محصورا في إظهار هذا النص مكتملا في أدق صورة يمكن أن يظهر بها بعد أن ترك فترة طويلة دون عناية حتى فقدت بعض أوراقه من مخطوطتي الاسكوريال ورفاعة رافع الطهطاوي، وكان علىّ أن أضمهما معا محاولا أن تكمل إحداهما الأخرى فأنقذ من الضياع واحدا من كتب ابن سعيد.
وحين انتهيت من إخراج هذا النص مطبوعا ومنشورا تكشّف لي جوانب من موضوعات هذا الكتاب لم تلق مني العناية الواجبة في تلك الدراسة التي قدمت بها النص وقتها، إذ وقفت عند بعضها وقوف المتعجل وأهملت بعضها وكانت تستحق مني بعض العناية.
لقد خصّص ابن سعيد الخميلة العاشرة من كتابه للدّوبيتيّات والمربّعات والمخمّسات، والخميلة الحادية عشرة للكان وكان والمواليا، والخميلة الثانية عشرة والأخيرة للموشّحات والأزجال، وقد أثار في نفسي هذا الترتيب بعد انتهاء طبع الكتاب سؤالا ظللت أبحث عن إجابة له
€
المقدمة / 9
وهو: هل قصد ابن سعيد بترتيب هذه الخمائل الثلاث ترتيبا زمنيا؟
أي أنّ ظهور هذه الفنون في تاريخ الأدب العربى جاء على هذا التعاقب؟
نعلم أن الدوبيتيات والمربعات والمخمسات فن قديم يسبق فنون الخميلتين الأخريين، ولا جدال في هذا الرأي، ولكن الجدال يدور حول
أي فنون الشعر الملحونة أسبق؟
فالأندلسيون يرون أن فن الزجل سابق عندهم على الفنون المشرقية المشابهة، يقول ابن سعيد في المقتطف عن الموشّح والزجل:
هذان طرازان كان الابتداء بعملهما من المغرب، ثم ولع بهما أهل المشرق «١»، ويقول في مكان آخر من كتابه: ولما عدت من العراق أنشدته (ويقصد الملك الناصر سلطان الشام) من محاسن الدوبيتيات ما أمر بكتبه. ثم قال لي: هذا طراز لا تحسنه المغاربة.
فقلت: يا خوند، كما أن الموشحات والأزجال طراز لا تحسنه المشارقة. والمحاسن قد قسمها الله على البلاد والعباد «٢» .
والنصان يدلان على شيئين:
١- أن الموشح والزجل في رأي ابن سعيد اختراع أندلسي.
٢- أن فن الدوبيتيات فن مشرقي لا تحسنه المغاربة.
وفي نص آخر يقول ابن سعيد عن المربعات: اشترك فيها المشارقة والمغاربة «٣» . وحين يستشهد ببعض نصوصه المشرقية يقول:
€
المقدمة / 10