[المدخل]
الميرزا الشيرازي الكبير (رحمه الله تعالى):
چقدر شايسته است كه أهل علم مواظبت نمايند به مطالعه اين كتاب شريف، ومتأدب شوند به آداب مزبوره در آن.
- ما أخرى بأهل العلم أن يواظبوا على مطالعة هذا الكتاب الشريف وأن يتأدبوا بالآداب المذكورة فيه.
(انظر هذا الكتاب، ص 55، مقدمة التحقيق)
يرى الناس دهنا في قوارير صافيا
ولم ندر ما يجري على رأس سمسم
Page 7
دليل الكتاب
مقدمة التحقيق: 9
الفصل الأول: تحقيق في تاريخ حياة الشهيد الثاني 9
الفصل الثاني: حول كتاب «منية المريد» 53
من الكتاب: 89
تقديم 91
المقدمة: فضل العلم من الكتاب واسنة والأثر ودليل العقل 93
الباب الأول: آداب المعلم والمتعلم 129
الباب الثاني: آداب الفتوى والمفتي والمستفتي 277
الباب الثالث: المناظرة وشروطها وآدابها وآفاتها 309
الباب الرابع: آداب الكتابة والكتب وما يتعلق بها 337
الخاتمة: مطالب مهمة في أقسام العلوم الشرعية والفرعية وغيرها 363
تتمة الكتاب: نصائح مهمة لطلاب العلوم 391
الفهارس العامة: 395
1- مصادر التحقيق 397
2- الآيات الكريمة 423
3- الأحاديث الشريفة 428
4- الآثار 438
5- الاشعار 442
6- الأعلام الواردة في المتن 445
7- الأعلام الواردة في مقدمة التحقيق والتعاليق 452
8- الكتب الواردة في المتن 469
9- الكتب الواردة في مقدمة التحقيق والتعاليق 470
10- الموضوعات 483
Page 8
مقدمة التحقيق
الفصل الأول تحقيق في تاريخ حياة الشهيد الثاني
أ- مصادر ترجمة الشهيد الثاني
كان المرحوم الشيخ زين الدين بن علي بن أحمد العاملي الشامي (911- 965 ه) المعروف بالشهيد الثاني من مشاهير الفقهاء المتبحرين العظام، ومن الوجوه المشرقة في التاريخ الدموي للإسلام. وقد خلف هذا الفقيد السعيد الذي حظي بفيض الشهادة في سبيل الرسالة، خلف في عمره القصير (54 سنة) زهاء سبعين كتابا ورسالة صغيرة وكبيرة في مختلف الموضوعات، كان الكثير منها ولا يزال المورد الصافي لإفادة العلماء والمحققين.
ولقد كانت حياته ممتزجة بالقداسة والتقوى، قد بلغ في ذلك إلى درجات سامية، حتى كانت له كرامات وخوارق عادات قد سجلها التاريخ، لا مجال هنا لذكرها.
وردت ترجمة هذا العالم المجاهد الدءوب في كثير من كتب التراجم سنأتي في هذا المقال على التعريف بها. وقد كتب الشهيد نفسه رسالة خاصة في حياته، ضمنها تلميذه العالم الجليل ابن العودي في رسالة كتبها في تاريخ حياة أستاذه سماها «بغية
Page 9
المريد في الكشف عن أحوال الشيخ زين الدين الشهيد» ونأسف أن قد فقد أكثر فصول هذه الرسالة ولم يبق إلا بعض الفصول منها أوردها الشيخ علي بن محمد بن الحسن بن زين الدين، حفيد ابن الشهيد في كتابه «الدر المنثور» وقد طبع هذا الكتاب قبل عشرة أعوام بمدينة قم المقدسة. وقد كتب ابن العودي عن دافعه إلى كتابة هذه الرسالة بشأن الشهيد يقول:
«... شيخنا ومولانا ومرجعنا ومقتدانا، ومنقذنا من الجهالة وهادينا، ومرشدنا إلى الخيرات ومربينا، بديع زمانه ونادرة أوانه، وفريد عصره وغرة دهره، الشيخ الإمام الفاضل، والحبر العالم العامل، والنحرير المحقق الكامل، خلاصة الفضلاء المحققين، وزبدة العلماء المدققين، الشيخ زين الملة والدين ابن الشيخ الإمام نور الدين علي ابن الشيخ الفاضل أحمد بن جمال الدين بن تقي الدين صالح- تلميذ العلامة- ابن مشرف العاملي، أفاض الله على روحه المراحم الربانية، وأسكنه في جنانه العلية، وجعلنا الله من المقتدين بآثاره، والمهتدين بأنواره بمحمد وآله عليه وعليهم أفضل الصلاة وأتم السلام.
ولما كان هذا الضعيف الملهوف عليه، المحزون على طيب عيش من لديه، مملوكه وخادمه: محمد بن علي بن الحسن العودي الجزيني ممن حاز على حظ وافر من خدمته، وتشرف بمدة مديدة من ملازمته- كان ورودي إلى خدمته في عاشر ربيع الأول سنة 945 (1) إلى يوم انفصالي عنه بالسفر إلى خراسان في عاشر ذي القعدة سنة 962؛
فكأنها أحلام نوم لم تكن
يا ليتها دامت ولم تتصرم
وتمتعت منها القلوب ونارها
من فرقة طفئت ولم تتضرم (2)
فوا شوقاه إلى تلك الأوقات، ووا أسفاه على ما فات- وجب أن نوجه الهمة إلى جمع تاريخ يشتمل على ما تم من أمره، من حين ولادته إلى انقضاء عمره، تأدية لبعض
Page 10
شكره، وامتثالا لما سبق إلي من أمره؛ فإنه (قدس سره) كان كثيرا ما يشير إلي بذلك على الخصوص ... فجمعت هذه النبذة اليسيرة وسميتها «بغية المريد في الكشف عن أحوال الشيخ زين الدين الشهيد» ورتبتها على مقدمة وفصول وخاتمة» (1).
وكانت رسالة ابن العودي تشتمل على عشرة فصول ومقدمة وخاتمة ولكن قد مر أن أكثر فصولها لم تصلنا. ولا ريب أنها أول وأحسن مصدر لترجمة الشيخ الشهيد، ولكن إذا جزنا هذه الرسالة فنجد ترجمته مفصلة أو مختصرة في المصادر الآتية.
ومن المعلوم أننا لا نرى في أكثر هذه المصادر شيئا جديدا في ترجمة الشهيد، بل إنما هي مكررات سائر الكتب. ويكفي المحقق في ذلك- مضافا إلى مراجعة «الدر المنثور»- أن يراجع الأرقام التالية منها: 1- 8، 12، 13، 16، 19، 28.
1- «أمل الآمل»، ج 1/ 85- 91؛
2- «تكملة أمل الآمل»/ 212- 217؛
3- «رياض العلماء»، ج 2/ 365- 386؛
4- «روضات الجنات»، ج 3/ 352- 387.
5- «مستدرك الوسائل»، ج 3/ 425، 428،
6- «شهداء الفضيلة»/ 132- 164؛
7- «الكنى والألقاب»، ج 2/ 381- 391؛
8- «الفوائد الرضوية»/ 186- 192.
9- «هدية الأحباب»/ 167- 168؛
10- «تنقيح المقال»، ج 1/ 472- 473؛
11- «معجم رجال الحديث»، ج 7/ 372- 377؛
12- «أعيان الشيعة»، ج 7/ 143- 158؛
13- «لؤلؤة البحرين»/ 28- 36؛
14- «قصص العلماء»/ 248- 263؛
15- «ريحانة الأدب»، ج 3/ 280- 288؛
16- «الذريعة»، في مختلف الأجزاء، سيأتي بعض مواردها قريبا في بحث
Page 11
«تاريخ استشهاد الشهيد الثاني»؛
17- «جامع الرواة»، ج 1/ 346؛
18- «مقابس الأنوار»/ 15؛
19- مقدمة «الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية» للشيخ محمد مهدي الآصفي، ج 1/ 149- 194، ونعبر عنها في هذا المقال بمقدمة «شرح اللمعة»؛
20- «معجم المؤلفين»، ج 4/ 193، وج 7/ 12؛
21- «طرائق الحقائق»، ج 1/ 228- 248.
22- «تحفة العالم في شرح خطبة المعالم»، ج 1/ 139- 150؛
23- «سفينة البحار»، ج 1/ 723، مادة «شهد»؛
24- «نقد الرجال»/ 145؛
25- «مصفى المقال في مصنفي علم الرجال»/ 183؛
26- «بهجة الآمال في شرح زبدة المقال»، ج 4/ 254- 302؛
27- «الأعلام»، ج 3/ 64؛
28- «إحياء الداثر من القرن العاشر» (من «طبقات أعلام الشيعة»)/ 90- 92، وغير هذه الصفحات؛
29- «كشف الحجب والأستار عن أحوال الكتب والأسفار»، في مختلف الصفحات.
ومن المؤسف أنا نجد في تاريخ حياة الشهيد الثاني وكتبه وتاريخ تأليفها وغير ذلك أخطاء متعددة، وحيث لم يكن من المتداول سابقا التحليل والتحقيق في التاريخ لذلك كان المتأخرون إذا وجدوا موضوعا في كتاب التاريخ أو التراجم نقلوا ذلك في كتبهم بدون أي تحقيق أو تحليل أو مقارنة بالقرائن والشواهد التاريخية الأخرى، وكانت هذه الأخطاء بالتدريج تتحول إلى أغلاط مشهورة تتكرر في الكتب المتأخرة بمحض الاستناد إلى ذكرها في ذلك الكتاب السابق. وحيث قد تكفلت هذه المصادر المذكورة آنفا بترجمة الشيخ الشهيد، ولا يتحمل هذا المقال كلاما أوسع مما في تلك المصادر، لذلك فسوف أقتصر في جهدي في هذا المقال على التحقيق في بعض المسائل والموضوعات التي جاءت في تاريخ حياة الشهيد، للمذاكرة حول بعض الأغلاط المشهورة بهذا الشأن، رجاء أن لا تتكرر فيما سيكتب عنه بعد هذا، عسى أن نؤدي بهذا
Page 12
بعض حق هذا الرجل العظيم.
ومن الجدير بالذكر أن أقول: إني قد بدأت بتصنيف كتاب كبير في حياة الشهيد الثاني، أرجو أن أوفق لنشره- بعناية الله ورعايته- قبل عام 1411 ه، المصادف لمرور خمسة قرون على ميلاده (قده) . وهنا الآن إليكم بعض تلك الأخطاء.
ب- تاريخ استشهاد الشهيد الثاني
1- في تاريخ شهادة الشهيد الثاني قولان، وقد يذكران على الترديد؛ أحدهما أنها كانت في سنة 965 ه، والآخر أنها كانت في سنة 966 ه، والأكثر الثاني كما في موارد متعددة من «إحياء الداثر»- منها: ص 32، 55، 63، 90، 91، 102، 117، 127، 162، 181، 230، 234، 245، 277- و«الذريعة» منها: ج 1/ 22، 93، 218؛ ج 2/ 86، 228، 244؛ ج 3/ 58، 136؛ ج 4/ 4، 392، 433، 452؛ ج 5/ 196، 199، 205، 206، 278؛ ج 6/ 15، 23، 82، 94، 106، 243؛ ج 7/ 30، 31، 175؛ ج 8/ 76؛ ج 10/ 42؛ ج 11/ 159، 170، 275، 290؛ ج 12/ 124، 198؛ ج 15/ 109، 71؛ ج 16/ 68، 381؛ ج 17/ 100؛ ج 18/ 36؛ ج 19/ 18، 26، 35؛ ج 20/ 195، 209، 212، 371، 378؛ ج 21/ 1، 382، 400؛ ج 23/ 141؛ ج 24/ 44، 65، 439. ولم أر فيهما حتى موردا واحدا يذكر فيه التاريخ الأول، مع أننا مع الالتفات إلى الشواهد والأدلة التي سنذكرها نقطع بأن الصحيح هو 965 وأن 966 خطأ. وقبل أن نقيم الأدلة والشواهد لمدعانا، أذكر بأن أول من ذكر سنة 966- حسب اطلاعى- هو المرحوم السيد مصطفى التفرشي في «نقد الرجال» (/ 145)، ثم نقلا عنه وتبعا له المرحوم الأردبيلي في «جامع الرواة» (ج 1/ 346)، ولم يذكر هذا التاريخ أحد من معاصري الشهيد أو تلامذته وأقربائه، بل ذكر بعضهم عام 965 تاريخا لشهادة الشهيد الثاني كما ستلاحظون:
كتب المرحوم حسنبيگ روملو، وهو من معاصري الشهيد في كتابه الفارسي «أحسن التواريخ» الذي أنهاه حوالي سنة 980 ه، (1) كتب في حوادث سنة 965، يقول بالفارسية ما ترجمته:
Page 13
«وفي هذه السنة استشهد الشيخ الفاضل حاوي المعقول والمنقول، جامع الفروع والأصول الشيخ زين الدين الجبل عاملي. وسبب شهادته هو أن جمعا من أهل السنة قالوا لرستم پاشا الوزير الأعظم [للدولة العثمانية]: إن الشيخ زين الدين يدعي الاجتهاد، ويأتيه كثير من علماء الشيعة ويقرءون عنده كتب الإمامية، وغرضهم إشاعة الرفض الذي هو لدى التحقيق كفر محض! فأرسل رستم پاشا رجالا لطلب الشيخ، وكان آنذاك- وهو أفضل الفقهاء- في مكة المكرمة، فقبضوا عليه وأتوا به إلى إسلامبول وقتلوه من دون أن يعرضوه على السلطان سليمان [؟!] ...» (1).
وكتب القاضي أحمد الغفاري القزويني (المتوفى 975 ه) الذي كان هو أيضا من معاصري الشهيد، في كتابه الفارسي «تاريخ جهانآرا» الذي ألفه حوالي سنة 972 وذكر الحوادث حتى تلك السنة (2)، كتب ضمن حوادث عام 965، يقول بالفارسية ما ترجمته:
«وفي هذه السنة أخذ الروميون [أي الأتراك العثمانيون] في مكة المكرمة، المغفور له الشيخ زين الدين الجبل عاملي، وذهبوا به إلى استانبول، وقتلوه للعصبية المذهبية في يوم الخميس منتصف شهر رجب الحرام» (3).
وقد ذكر تاريخ شهادة الشهيد في شهر رجب وأنه أخذ من مكة المكرمة تلميذه السيد علي الصائغ في آخر نسخة من الجزء الثالث من «المسالك» أيضا (4) وهو يعد تأييدا لمقال صاحب «تاريخ جهانآرا».
وكتب محمود بن محمد بن علي بن حمزة اللاهجاني تلميذ الشهيد الثاني، الذي كان حين إلقاء القبض عليه معه وهو يستنسخ «المسالك» مقارنا لتأليفه تقريبا، كتب في نسخته من «المسالك» يقول:
«إن الشارح قد كتب الجزء الثالث وما بعده حينما كان متخفيا خوفا من أعدائه- كما قال هو نفسه: مع تراكم صروف الحدثان- وكان خوفا منهم يلوذ من جبل إلى جبل ومن قرية إلى قرية، وأنا كتبت هذا القسم من الكتاب في هذه الحال كذلك،
Page 14
وحاولت أن أفكه من السجن فسجنوني معه، فبقي في السجن اثنين وأربعين يوما ثم بعثوا به إلى الروم [أي تركيا] وأطلقت في 20/ ج 1/ 965 ه، وهو يوم الجمعة والنيروز، فكنت أعيش في مكة متظاهرا حتى بلغني خبر شهادته في ذي القعدة من نفس هذه السنة، وأرادوا أن يقبضوا علي مرة أخرى ولكني فررت منهم واختفيت وبعد أداء الحج استنسخت هذا الشرح متخفيا، وفي آخر شهر صفر خرجت من مكة المكرمة، وأنهيت هذا المجلد في يوم الأحد 4/ ج 1/ 966» (1).
وقد نقل كلام اللاهجاني هذا المرحوم الشيخ آقا بزرگ الطهراني (قدس سره ) في «إحياء الداثر» (/ 242) ولكنه بدل 965 إلى 966 تصحيحا أو تصحيفا، وواضح أن هذا لا يكون نقضا لكلام اللاهجاني.
وفي فهرس مخطوطات مكتبة حرم السيدة فاطمة المعصومة بقم المقدسة نقل عن خط محمد بن أحمد ابن السيد ناصر الدين الحسيني- أحد علماء القرن العاشر والمعاصر للشهيد تقريبا (2)- على ظهر نسخة من شرح اللمعة: أنه قتل الشهيد في 17 شهر رمضان عام 965 (3).
ونقل عن خط والد الشيخ البهائي تلميذ الشهيد أنه استشهد سنة 965. (4)
وكتب المرحوم الشيخ يوسف البحراني صاحب «الحدائق» يقول:
«وجدت في بعض الكتب المعتمدة في حكاية قتله (رحمه الله تعالى) ما صورته: قبض شيخنا الشهيد الثاني طاب ثراه بمكة المشرفة في خامس شهر ربيع الأول سنة خمس وستين وتسعمائة، وكان القبض عليه بالمسجد الحرام بعد فراغه من صلاة العصر وأخرجوه إلى بعض دور مكة وبقي محبوسا هناك شهرا وعشرة أيام، ثم ساروا به على طريق البحر إلى قسطنطنية وقتلوه بها في تلك السنة، وبقي مطروحا ثلاثة أيام، ثم ألقوا جسده الشريف في البحر، (قدس الله روحه) كما شرف خاتمته» (5).
ونقل ابن العودي وصاحب «الرياض» قصة رؤيا الشيخ محمد الجباني [أو
Page 15
الحياني]- الذي عده السيد الأمين في تلامذة الشهيد (1)- بطولها، وما يرتبط من تلك القصة بما نحن فيه هو أن الشيخ محمد الجباني يصل إلى قرية جزين من جبل عامل في 22 ذي الحجة عام 965 بعد تحمل مشاق السفر، وهو يقصد أن يبقى بها مدة، ولكنه يبتلى بمرض شديد، وفي ليلة 28 من شهر ذي الحجة يرى في الرؤيا أمورا منها ما يتعلق بالشهيد الثاني، ويعلم مما قاله أن الشهيد الثاني كان قد نال الشهادة قبل هذا التاريخ أي 28 ذي الحجة 965 (2). وإن فرض ورود بعض الإيرادات على القصة من جهات، لا تخل بما نحن بصدده.
وأحكم من الكل أن الشيخ علي حفيد الشيخ صاحب «المعالم» يقول:
«رأيت بخط جدي المبرور الشيخ حسن (قدس الله روحه) ما صورته: ولد الوالد (قدس الله نفسه) في يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر شوال سنة إحدى عشرة وتسعمائة، واستشهد في سنة خمس وستين وتسعمائة» (3).
وعلى هذا فواضح أنه مع الالتفات إلى كل هذه الشواهد والقرائن، وكلام ابن الشهيد واللاهجاني تلميذه، واثنين من المورخين المعاصرين للشهيد ممن كانوا يهتمون بضبط الحوادث التاريخية طبق الحوادث وحسب ترتيب السنين، لا يبقى مجال لقبول قول التفرشي في «نقد الرجال» بل علينا أن نسلم بأن شهادة الشهيد قد وقعت في سنة 965 ه. وأما في أي شهر وفي أي يوم وقعت هذه الواقعة الهائلة؟ فالأقوال وإن كانت مختلفة، إلا أن الذي يبدو للنظر هو صحة كلام صاحب «تاريخ جهانآرا» بوقوعها في يوم الخميس [أو الجمعة] من العشر الأواسط في شهر رجب الحرام، المتأيد بمقال السيد علي الصائغ تلميذ الشهيد، ولا ينافيه مقال اللاهجاني التلميذ الآخر للشهيد بأن خبر شهادته بلغه في شهر ذي القعدة 965، كما هو واضح.
ولا بأس بالتذكير بهذه النقطة: وهي أن بعض المعاصرين كتب في ترجمة الشهيد:
«بما أن ابن العودي والسيد علي الصائغ وهما تلميذان من تلامذة الشهيد أرخا شهادته بسنة 966، لذا فنحن أيضا اتخذنا تاريخهما سندا في هذا المورد.» وهذا المبنى باطل وكذلك المبني عليه؛ فإن ابن العودي- فيما هو بأيدينا من كتابه- لم يشر إلى هذا
Page 16
الموضوع بأية إشارة أبدا، والسيد علي الصائغ- كما مر- قال بوقوع هذه الواقعة في شهر رجب فحسب من دون ذكر السنة. وقد رأينا وجود شواهد عديدة على وقوع الشهادة في سنة 965 على العكس من سنة 966 التي لم يشهد لها إلا كلام التفرشي في «نقد الرجال» الذي لا يقاوم حتى واحدة من شواهد القول الآخر فضلا عن جميعها.
2- جاء في «لؤلؤة البحرين» (/ 34) ونقلا عنه وتبعا له في «ريحانة الأدب» (ج 3/ 287) وكذلك في «فرهنگ فارسي» لمحمد معين (ج 5/ 945): «أن الشهيد قبض عليه وقتل على عهد السلطان سليم [الثاني] الخليفة العثماني وبأمره». ولكن الصحيح بدل السلطان سليم: السلطان سليمان القانوني العثماني، فإن السلطان سليم الثاني جلس على العرش سنة 974 ه وقد استشهد الشهيد في سنة 965، وعلى هذا فالشهادة كانت في عهد السلطان سليمان القانوني والد السلطان سليم لا نفسه (1).
ج- اسم الشهيد الثاني وكنيته ونسبه وأولاده
3- جاء في بعض الكتب اسم الشهيد ونسبه هكذا: «زين الدين علي بن أحمد الجبعي العاملي». وهذا سهو قطعا؛ فإن اسمه لم يكن «عليا» جزما، بل هو اسم ابيه. بل الصحيح: «زين الدين بن علي بن أحمد الجبعي العاملي»، وقد رأيت بنفسي موارد عديدة من خط نفس الشهيد أنه كتب اسمه ونسبه هكذا: «زين الدين بن علي بن أحمد ...». وقد حقق الموضوع السيد الأمين في «أعيان الشيعة» (ج 7/ 144) ونقل موارد عديدة من خط الشهيد ذكر اسمه ونسبه فيها كما ذكرناه.
وليعلم أنه نقل من خط الشهيد أن «زين الدين» لقبه أيضا، واسمه لقبه (2).
4- لقب الشهيد في بعض الكتب ب «نور الدين». وهذا أيضا سهو، بل هو لقب أبيه قطعا.
5- جاء في بعض المصادر- منها «روضات الجنات» (ج 3/ 353) وخاتمة «مستدرك الوسائل» (ج 3/ 425)، تبعا للحر العاملي في «أمل الآمل» (ج 1/ 118)-: أن والد الشهيد كان معروفا بابن الحاجة- أو ابن الحجة.
بينما الذي يظهر من المصادر هو أن الشهيد نفسه كان معروفا بذلك ولا دليل على
Page 17
ما قاله الحر العاملي، ونحن ننكر أن يكون والده مشتهرا بهذه الكنية ولا ننكر إطلاقها عليه مطلقا، فلا ننكر أن تكون قد أطلقت عليه هذه الكنية، بل الذي ننكره إنما هو شهرته وكونه معروفا بهذه الكنية، ولا ننفي أن يكون إطلاقها على والده صحيحا، ولكنه غير مشهور بها.
والذي يستفاد من إجازات الشهيد ومكتوباته واجازات ومكتوبات تلامذته وسائر العلماء هو أن الشهيد كان مشتهرا بها، وسوى الإجازات قد أطلقها عليه كثير من العلماء بعده في مؤلفاتهم، منها: 1- «رياض العلماء» ج 2/ 365؛ 368؛ 2- «تحفة العالم» ج 1/ 139؛ 3- «لؤلؤة البحرين»/ 28؛ 4- «شهداء الفضيلة»/ 132؛ 5- «قصص العلماء»/ 249؛ 6- «أعيان الشيعة» ج 7/ 143؛ 7- «تكملة أمل الآمل»/ 114؛ 8- «معجم المؤلفين» ج 4/ 147، ج 7/ 12.
وإليكم بعض الموارد من إجازات الشهيد ومكتوباته وتلامذته وسائر العلماء، مما ذكر فيه الشهيد بعنوانه المشهور يومئذ: ابن الحاجة:
1- «... وكتب هذه الأحرف بيده الفانية زين الدين بن علي بن أحمد شهر بابن الحاجة» (1)؛
2- «... وذلك في سابع شهر شعبان المبارك سنة ثلاثين وتسعمائة وكتب أفقر العباد زين الدين بن علي الشهير بابن الحجة» (2)؛
3- «... مثل إجازة الشيخ السعيد والمحقق الشهيد خاتمة المجتهدين الشيخ زين الدين بن علي بن أحمد الشامي العاملي شهر بابن الحاجة» (3)؛
4- «... وذلك في سابع شهر شعبان المبارك سنة ثلاثين وتسعمائة، وكتب أفقر العباد زين الدين بن علي الشهير بابن الحجة» (4)؛
5- «... كتبه زين الدين بن علي بن أحمد عرف بابن الحاجة العاملي في يوم الأحد 3/ ج 1/ 950» (5)؛
Page 18
6- «... وقد فرغ من تسويد هذه الرسالة ... زين الدين بن علي العاملي الشهير بابن الحجة، وكان زمان تأليفها ورقمها من أولها إلى آخرها في جزء يسير من يوم قصير وهو الخامس عشر من شهر شوال من شهور سنة تسع وأربعين وتسعمائة» (1)؛
7- «... وكتب مالكه زين الدين بن علي الشهير بابن الحاجة كان الله له» (2)؛
8- «... وكل ما روى وصنف الشيخ السعيد والفقيه النبيه الشهيد ... الشيخ زين الدين بن أحمد الشهير بابن الحجة» (3)؛
9- «... وجميع ما روى وألف الشيخ السعيد والفقيه النبيه ... الشيخ زين الدين بن أحمد شهر بابن الحاجة» (4)؛
10- «... عن شيخ علماء المحققين زين الدين بن علي الشهير بابن الحجة» (5)؛
11- «... الشيخ السعيد المحقق الشهيد زين الملة والدين عرف بابن الحجة» (6)؛
12- «... الشيخ زين الدين [بن] علي بن أحمد المعروف بابن الحجة والمشهور بالشهيد الثاني» (7)
إن أكثر هذه الموارد- وهو ما عدا الثاني والرابع والسادس والسابع والعاشر- صريح في أن «ابن الحاجة» شهرة الشهيد نفسه، وبقية الموارد الخمسة وإن كانت غير صريحة إلا أن ظاهرها هو ذلك أيضا، وتكون الموارد الصريحة قرينة على حمل الموارد الخمسة على ظاهرها. فلا مجال للتشكيك في اشتهار الشهيد بهذه الكنية. والآن لنرى هل لنا دليل على شهرة والده بهذه الكنية أيضا؟ ومن الجدير بالذكر أن الشهيد كان في حياته مشتهرا بابن الحاجة، وأما بعد شهادته فقد غطى لقب «الشهيد» على هذه الكنية فقل
Page 19
إطلاقها عليه؛ ولعله لهذا استغرب البعض ذلك ومنهم الحر العاملي وقال: كان والده مشتهرا بهذه. وهو أول من قال هذا وتبعه الآخرون وأخذوا منه ونقلوا عنه. ولو كان والد الشهيد أيضا مشتهرا بابن الحاجة، كان ينبغي أن يشير إليه نفس الشهيد أو ابنه أو تلامذته أو صاحب «الدر المنثور» حفيد صاحب «المعالم» ولو لمرة واحدة على الأقل، فكيف لم يذكر ذلك أحد من هؤلاء وإنما التفت لذلك الشيخ الحر العاملي بعد قرن تقريبا من شهادة الشهيد؟ ولما ذا لم يذكر الشيخ الحر والناقلون عنه كصاحب «الروضات» و«المستدرك» اشتهار الشهيد بها مع أنها شهرته قطعا؟ كل ذلك يدل على أن الحر (ره) قد خلط بين الوالد والولد فحسب شهرة الولد للوالد، وطبق كل مورد عبر فيه عن الشهيد بابن الحاجة على أبيه. أضف إلى ذلك أن الشيخ الحر منفرد في هذا الكلام- والآخرون إنما نقلوا عنه تقليدا لا تحقيقا- وقد ارتكب في صفحات ترجمة الشهيد عدة أخطاء أخرى كبرى وعجيبة في تاريخ حياة الشهيد، وعلى هذا فلا يكون كلامه حجة في هذا الموضوع. ولو كان لنا مجال في هذا المقال لنقلنا لكم موارد من اعتراضات وانتقادات صاحب «الرياض» على صاحب «أمل الآمل» كي لا تستغربوا هذا الكلام. فتأمل في المقام.
6- ورد في بعض المصادر: «أنه قد استشهد الشهيد وعمر ولده [الشيخ حسن صاحب «المعالم»] أربع أو سبع سنين». وقد ولد صاحب «المعالم» في 27 شهر رمضان المعظم سنة 959 (1)، وعلى هذا فيكون عمره حين شهادة والده سنة 965 ست سنين، وإذا كانت شهادته سنة 966- على القول الآخر الباطل، كما مر- يكون لولده الشيخ حسن سبع سنين. وعلى هذا فالاحتمال الأول أعني أربع سنين على كلا الفرضين غير صحيح.
7- جاء في «أعيان الشيعة» (ج 7/ 144، 155): «أن أم صاحب «المدارك» بعد وفاة والده تزوجها الشهيد الثاني، وكان ثمرة هذا الزواج هو الشيخ حسن صاحب «المعالم»، فصاحب «المعالم» أخو صاحب «المدارك» لأمه، وكان صاحب «المدارك» ربيب الشهيد». وهذا سهو، وشرح ذلك كما يلي:
إن السيد علي والد صاحب «المدارك» تزوج ابنة الشهيد الثاني التي كانت من
Page 20
زوجته الأولى أي بنت الشيخ علي الميسي، وولد السيد محمد صاحب «المدارك» في سنة 946 (1) من هذا الزواج، وعلى هذا فيكون الشهيد الثاني جد صاحب «المدارك» لأمه. وبعد شهادة الشهيد الثاني تزوج السيد علي- صهر الشهيد ووالد صاحب «المدارك»- تزوج أم صاحب «المعالم» أي الزوجة الأخرى للشهيد؛ وعلى هذا فيكون صاحب «المعالم» ربيب السيد علي- والد صاحب «المدارك»- وخال صاحب «المدارك» أيضا، وولد من هذا الزواج الثاني السيد نور الدين جد العلامة السيد حسن الصدر، وعلى هذا يكون السيد نور الدين أخا لصاحب «المعالم» من ناحية أمه، وأخا لصاحب «المدارك» من ناحية أبيه. (2)
وجاء في «إحياء الداثر» (/ 164): «أن السيد علي والد صاحب «المدارك» بعد شهادة الشهيد تزوج بأم صاحب «المعالم» وولد له صاحب «المدارك». وهذا أيضا غير تام، والصحيح ما مر، من أن صاحب «المدارك» أكبر من صاحب «المعالم» بعدة سنين كما رأيت.
8- جاء في «روضات الجنات» (ج 3/ 379) و«أعيان الشيعة» (ج 7/ 156)، ومقدمة الطبعة الجديدة لكتاب «مسكن الفؤاد» (/ 6- 7)، في بيان علة كتابته:
«أنه ابتلي بموت أولاده في مقتبل أعمارهم حتى أصبح لا يثق ببقاء أحد منهم ولم يسلم منهم إلا ولده الشيخ حسن الذي كان الشهيد يشك في بقائه ... فألف كتابه «مسكن الفؤاد»، وقلبه يقطر ألما وحسرة وهو يرى أولاده أزهارا يانعة تقطف أمام عينيه».
ويرد على هذا المقال إشكالان: الأول: أن الشيخ حسن لم يكن الولد الوحيد الباقي للشهيد بعد أوان الطفولة، بل- كما مر- إن أم صاحب «المدارك» أيضا من أولاد الشهيد وقد بقيت حتى تزوجت وأنجبت؛ الثاني: من المقطوع به أن تأليف «مسكن الفؤاد» انتهى في سنة 954 وأن صاحب المعالم قد ولد في 959 فكيف يمكن أن يقال: بما أنه فقد أولاده إلا الشيخ حسن لذلك كتب هذا الكتاب؟ فتأمل.
Page 21
د- أساتذة الشهيد الثاني وتلامذته
9- عد بعضهم السيد عبد الرحيم العباسي صاحب «معاهد التنصيص» في زمرة أساتذة الشهيد وقال: «هو ممن طلب العلم لديه الشهيد». بينما لم يتلمذ الشهيد لدى السيد عبد الرحيم أبدا، بل إنما لاقاه في القسطنطنية سنة 952 (1)- وهي من سنت أواخر عمر الشهيد، والطبيعي أن يكون آنذاك غنيا عن الأستاذ- وكان صديقا له ويروي عنه «القاموس». ويقول صاحب «المعالم» في إجازته الكبيرة بهذا الشأن:
«وكان اجتماعه به في قسطنطنية، ورأيت له كتابة إلى الوالد تدل على كثرة مودته له ومزيد اعتنائه بشأنه» (2).
10- ورد في كتب عديدة منها «روضات الجنات» (ج 3/ 359) و«أعيان الشيعة» (ج 7/ 146) و«إحياء الداثر» (/ 229) و«الذريعة» (ج 3/ 136، وج 8/ 76):
«أن ابن العودي تلميذ الشهيد وملازمه بدأت صحبته مع الشهيد من سنة 945 ولازمه حتى سنة 962، أي ثلاث سنين قبل شهادته». بينما يستفاد من موارد متعددة من رسالة ابن العودي أنه قد تشرف بمحضر الشهيد قبل هذا التاريخ (3)- كما مر- ولهذا يبدو لنا أن 945 مصحف من 940، كما صحفت سنة وفاة المحقق الكركي في كلام ابن العودي المنقول في «الدر المنثور» (ج 2/ 140) من 940 إلى 945 ه.
11- قال بعضهم: «كان الشهيد الثاني من تلامذة المحقق الكركي قبل مجيء المحقق الكركي إلى إيران». وهذا أيضا لا يتم؛ فإن الشهيد لم يتتلمذ لدى المحقق الكركي وأيضا ليست له منه إجازة، بل يروي عنه بواسطة كما صرح بهذا ابن العودي (4). ومن الشواهد لهذا ما جاء في إجازة الشهيد لوالد الشيخ البهائي، قال: «وعن الشيخ جمال الدين أحمد- وجماعة من الأصحاب الأخيار- عن الشيخ الإمام المحقق نادرة الزمان ويتيمة الأوان الشيخ نور الدين علي بن عبد العالي الكركي قدس الله تعالى
Page 22
روحه» (1). ونقرأ في نفس هذه الإجازة: «ومنها عن شيخنا الجليل المتقن الفاضل جمال الدين أحمد ...» عن الشيخ الإمام ملك العلماء والمحققين الشيخ نور الدين علي بن عبد العالي الكركي المولد الغروي الخاتمة» (2).
وكتب المحدث النوري مشيرا إلى نفس هذه النقطة في خاتمة «مستدرك الوسائل» (ج 3/ 416) يقول: «إن عدم رواية الشهيد عن المحقق الثاني لم يكن لتأخر زمانه بل لعدم ملاقاته.». وجاء في «مقابس الأنوار» (/ 15): «أنه روى [يعني الشهيد] عن الكركي بواسطة، وعن الميسي بها وبدونها». والظاهر أن السبب في هذا السهو هو اتحاد الاسم بين المحقق الكركي والفاضل الميسي واطلاق «علي بن عبد العالي» على كليهما كثيرا.
12- جاء في مقدمة الشيخ محمد مهدي الآصفي ل «شرح اللمعة» (ج 1/ 154- 155)، بصدد بيان رحلات الشهيد العلمية:
«أنه طلبا لمزيد العلم رحل إلى قرية ميس وقرأ فيها على العالم الكبير الشيخ علي بن عبد العالي الكركي من سنة 925 حتى 933 كتب «الشرائع» و«الإرشاد» وأكثر «القواعد»، وفي هذا التاريخ بدا له أن يترك ميس إلى كرك نوح، حيث يقيم الشيخ علي الميسي، وكان الشيخ علي زوج خالة الشهيد وتزوج الشهيد بعد ذلك ابنة الشيخ علي».
وفي هذا الكلام عدة أخطاء:
أولا: تصور الشيخ الآصفي أن الشيخ علي بن عبد العالي الذي قرأ الشهيد عليه «الشرائع» وأكثر «القواعد» و«الإرشاد» هو غير الشيخ علي الميسي زوج خالته، بينما هو هو لا غيره؛
ثانيا: كان الشيخ علي بن عبد العالي الميسي شيخ الشهيد مقيما في ميس لا كرك نوح، والصحيح هو علي بن عبد العالي الميسي لا الكركي، بل علي بن عبد العالي الكركي هو المحقق الكركي المعروف بالمحقق الثاني وهو غير هذا؛
ثالثا: أصل الزواج وأن زواجه هذا بابنة خالته ابنة الشيخ علي الميسي كان أول
Page 23
تزويج له، متيقن مقطوع به، ولكن لا دليل على ما قال: «إنه بعد سفره هذا [أي سفره في عام 933] تزوج بها»؛ وقد عكس بعض آخر وقال: «إنه تزوج بها قبل سفره في عام 933» وهذا أيضا لا دليل عليه وإن كان يرجح في النظر.
13- كتب محقق كتاب «أحسن التواريخ» في تعاليقه على الكتاب (في ص 697) وأحد مترجمي كتاب «مسكن الفؤاد» (1) للشهيد بالفارسية، في مقدمة ترجمته عد الشهيد من تلامذة العلامة الحلي! والسهو في هذا الكلام أظهر من الشمس، فمحال أن يكون المولود في 911 ه تلميذا للعلامة الحلي المتوفى 726 ه! والسبب في هذا السهو كأنه هو ما جاء في بعض كتب التراجم أن أحد أجداد الشهيد كان من تلامذة العلامة الحلي. وهذا مما يذكر في نسب الشهيد، إلا أن هذين الكاتبين تصورا أن هذا يرجع إلى نفس الشهيد.
ه- تأليفات الشهيد الثاني وما نسب إليه
كتاب «جواهر الكلمات»
14- نسب كتاب «جواهر الكلمات في صيغ العقود والإيقاعات» إلى الشهيد الثاني في كتب:
1- «روضات الجنات» ج 3/ 380؛ 2- «ريحانة الأدب » ج 3/ 282؛ 3- «شهداء الفضيلة»/ 138؛ 4- مقدمة «شرح اللمعة» ج 1/ 181؛
وفي «إحياء الداثر»/ 40 بعنوان «صيغ العقود». إلا أن ما قمنا به من تحقيق دل على
Page 24
أن الشهيد الثاني لم يكن له كتاب بعنوان «جواهر الكلمات في صيغ العقود والإيقاعات» وأن ما ورد في الكتب المذكورة من نسبة هذا الكتاب إلى الشهيد الثاني فإنما هو خطأ قطعا. والآن قبل أن نعرض للدليل على هذه الدعوى نرى من الضروري أن نلفت النظر إلى عدة نقاط:
من المسلم به أن للعالم الكبير المرحوم الصيمري كتابا بنفس هذا الاسم، وقد عرف المرحوم الشيخ آقا بزرگ الطهراني عدة نسخ مخطوطة منه، ورأى نسخته بخط نفس المؤلف (1). ومنها نسخ مخطوطة في مكتبة المسجد الأعظم بقم المقدسة برقم 3812، ومكتبة آية الله النجفي المرعشي العامة.
ومن المسلم به أيضا أن للمحقق الكركي كتابا باسم «صيغ العقود» وهو مطبوع ضمن مجموعة باسم «كلمات المحققين» (/ 445- 466). وقد ذكر المحقق الكركي هذا الكتاب في إجازته للقاضي صفي الدين إذ كتب يقول: «وأجزت له ... أن يروي عني جميع ما صنفته وألفته ... ومن ذلك المختصر المتكفل ببيان صيغ العقود والإيقاعات ...» (2). وقد عرف هذا الكتاب في «الذريعة» (ج 5/ 279، ج 15/ 110) وقد يسمى «جواهر الكلمات»- وإن كانت هذه التسمية خطأ كما يأتي- وهو موجود بخط نفس المؤلف في مكتبة الإمام الرضا (عليه السلام) في مشهد برقم 278، من كتب الفقه، يبدأ بقوله: «الحمد لله حمدا كثيرا كما هو أهله ... فهذه جملة كافلة ببيان صيغ العقود والإيقاعات ...» (3) وينتهي بقوله «صورة حكم الحاكم الذي لا ينقض، وأن الإقرار ليس من العقود ولا الإيقاعات» (4).
لم يذكر الشهيد الثاني ولا أحد من تلامذته في إجازاتهم ومكتوباتهم كتابا بهذا الاسم في عداد مؤلفات الشهيد. وكذلك لم ينسبه إليه تلميذه الملازم له ابن العودي.
وكذلك حفيد ابن الشهيد صاحب «الدر المنثور» بعد ذكره أسامي الكتب التي ذكرها ابن العودي في مؤلفات الشهيد، ذكر زهاء عشرين كتابا آخر للشهيد- لم يذكرها ابن
Page 25
العودي- ولم يذكر «جواهر الكلمات» (1). وكذلك لم ينسب هذا الكتاب إلى الشهيد في كتب: «أمل الآمل » ج 1/ 85- 91 و«معجم رجال الحديث» (ج 7/ 372- 374) و«لؤلؤة البحرين» (/ 28- 36) و«الفوائد الرضوية» (/ 186- 190) و«قصص العلماء» (/ 260- 261) وشك في ذلك الشيخ آقا بزرگ الطهراني في «الذريعة» (ج 5/ 278).
والآن وبعد أن اتضحت هذه المقدمات، نضيف أن منشأ هذا الخطأ في كلمات مؤلفي «شهداء الفضيلة» و«ريحانة الأدب» ومقدمة الشيخ الآصفي ل «شرح اللمعة»، إنما هو خطأ صاحب «روضات الجنات» الذي نسب هذا الكتاب إلى الشهيد، والذي طرأ له لعدم إمعانه النظر في كلام صاحب «رياض العلماء» إذ قال: «ومن مؤلفاته التي عثرنا عليها- سوى ما سبق- كتاب «جواهر الكلمات في صيغ العقود والإيقاعات» رأيت منه نسخة في خزانة الحضرة الرضوية بمشهد الرضا (عليه السلام).
لكن الحق عندي كونه من مؤلفات غيره وهو الشيخ حسن بن مفلح الصيمري المشهور» (2). وصاحب «روضات الجنات» لم يلتفت إلى ذيل كلام صاحب «الرياض» ونقل صدره فقال: «ومن جملة مصنفاته- غير المذكورة في «الأمل» أيضا- على ما ذكره صاحب «رياض العلماء» ... ومنها رسالة في «تحقيق الإجماع»، وكتاب «جواهر الكلمات في صيغ العقود والإيقاعات» (3).
تلاحظون أن صاحب «الروضات» يجعل مستنده كلام صاحب «الرياض» بينما لم ينسب صاحب «الرياض» هذا الكتاب إلى الشهيد بل قال بعد ذكره: «ولكن الحق عندي كونه من مؤلفات غيره»، فنقل الآخرون كلام صاحب «الروضات» من دون تحقيق في ذلك، اللهم إلا صاحب «أعيان الشيعة» فإنه بعد ذكر عنوان الكتاب أورد عين عبارة صاحب «الرياض» المذكورة آنفا في عدم صحة هذه النسبة (4)
Page 26