وهذا يدخل في باب المساواة، والسابق أولى به من اللاحق.
وقال المتنبي:
ما زِلتُ أحْذر مِنْ وداعِكَ جاهدًا ... حتى اغتدى أسفي عَلى التَوْديع
معنى هذا البيت: أني كنت أحذر الفراق فلما وقع البعد أسفت على التوديع لما نلت فيه من اللذة والعناق كما قال أبو تمام:
منْ يكنْ يَكْره الفراق ... فإِني أشْتهيه لموضعِ التسليم
إِنّ فيه اعتناقه لوداع ... وانتظار اعتناقه لقدومِ
وكلام أبي تمام أشرح ومعناه أرجح فهو أولى بما أخذ عنه.
وقال البحتري:
أُحاذرُ البينَ من أجل النوى ... طورًا وأهواه من أجل الفراقِ
ويلي ذلك أبيات أولها: أيَّ مَحلّ أرْتقي؟ أيَّ عظيمٍ أتَّقِي؟
وكُلُّ ما قَدْ خِلَق ... الله وما لمْ يَخْلُقِ
مُحْتقرٌ في هِمَّتي ... كَشعْرةٍ في هِمَّتي كَشعْرةٍ في مَفْرِقي
هذه أبيات فيها قلة ورع أحتقر ما خلق الله ﷿ وقد خلق الأنبياء والملائكة والصالحين وخلق الجن والملوك والجبارين وهذا تجاوز في العجب الغاية ويزيد على النهاية وقد تهاون بما خلق وما لم يخلق فكأنه لا يستعظم شيئًا مما خلق الله ﷿ الذي جميعه عنده كشعرة في مفرقه.