Munāẓarāt Ibn Taymiyya maʿa fuqahāʾ ʿaṣrih
مناظرات ابن تيمية مع فقهاء عصره
Publisher
دار الكتاب العملي
Publication Year
1405 AH
وقد حدثت هذه المناظرة التاريخية في عصر الملك الناصر محمد بن قلاوون(١). لما أن نفى الشيخ ابن تيمية إلى الإسكندرية، وكان قد ألف حياة السجن حيث قضى فيه أغلب أوقات عمره وشبابه، حتى أنه كان يجد فيه متعة نفسية طيبة فقال قولته الشهيرة (حبسي خلوة وقتلي شهادة، ونفيي سياحة) فوجئ الإمام الفقيه المناضل المعذب بغتة بالعفو عنه، فجاء إلى القاهرة، ثم ذهب ليصلي المغرب بالأزهر خلف الشيخ أحمد بن عطاء الله السكندري.
وكما قلنا سلفاً أن الفضيلة تجمع أصحابها على المحبة والمودة والتآلف والتراحم، مهما بلغت درجات الاختلاف ووجهات النظر، فإن القدماء والمحدثين متفقون جميعاً على أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.
وبالنقاء والصفاء النفسي بعيداً عن السخائم والإحن تتطهر النفوس من حوبها وأوضارها، وإني لأطمئن إلى الحكمة (أن أختلف مع ألف عالم خير لي وأطيب من الاختلاف مع جهول واحد) وعداوة الجاهل خير من صداقته.
وبعد صلاة المغرب، فوجئ ابن عطاء الله بالشيخ أحمد بن تيمية يصلي خلفه، فهش له، واغتبط به، وهنأه بسلامة الوصول.
ثم قال له ابن عطاء الله: - "ألفتُ أن أصلي المغرب في جامع مولانا الحسين، وأصلي العشاء هنا، فانظر تقدير الله.. قدر لي أن أكون أول من يلقاك... أعاتب أنت عليَّ يا فقيه؟".
فقال ابن تيمية: - "أعرف أنك ما تعمدت إيذائي، ولكنه الخلاف في الرأي، على أنَّ كلَّ من آذاني فهو منذ اليوم في حل مني".
قال ابن عطاء الله: "ماذا تعرف عني يا شيخ ابن تيمية؟".
قال: "أعرف عنك الورع، وغزارة العلم، وحدة الذهن، وصدق القول، وأشهد أني ما رأيت مثلك في مصر ولا في الشام حباً لله أو فناء فيه، أو انصياعاً لأوامره ونواهيه، ولكنه الخلاف في الرأي، فماذا تعرف عني أنت؟ هل تدعي عليَّ بالضلال إذ أنكر استغاثة غير الله؟".
(١) الملك ناصر الدين محمد ١٢٨٥ - ١٣٤١ ابن السلطان قلاوون تاسع المماليك البحريين.
12