2
وعلى كل خلاف في ذلك بين العرب وخلفائهم وعلى ما بذلوه من جهد قليل في نشر هذا الدين للتغلب على عادتهم في محاربة انتشاره وإذاعته، بدلا من الترويج له، فإننا نرى أن الإسلام قد انتشر بسرعة مدهشة بين تلك الشعوب التي غزوها، وهذه ظاهرة لم ير لها العالم مثيلا من قبل، وهي تبدو - لأول وهلة - لغزا مستسرا لا سبيل إلى حله وتعليله، لا سيما إذا عرفنا أن هذا الدين الجديد لم يكره أحدا على الدخول فيه.
وقد كان محمد
صلى الله عليه وسلم
يأمر بالتسامح والإغضاء، وقد وضع للمسلمين قاعدة الجزية وفرضها على كل من لم يدن به من أهل الكتب المنزلة من يهود ونصارى، فمنحهم حريتهم الدينية على أن يدفعوا ما فرضه عليهم من الجزية، وزاد في تسامحه فمنح هذه الميزة لمن يقطنون إقليم البحرين من المشركين.
وجاء من بعده عثمان فخطا خطوة جديدة أخرى، فاعتبر بربر شمال إفريقية كاليهود والنصارى وسكان إقليم البحرين.
ولسنا نعرف - على الحقيقة - شيئا عن ديانة هؤلاء البربر القديمة إلا معلومات تافهة ضئيلة لا تغني شيئا، ولن نعدو الصواب إذا قلنا إننا نجهل كل شيء عن هذه الديانة القديمة.
على أننا إذا أخذنا بالحكم على طبع الشعب وخلقه واتخذنا من ذلك مقياسا للحكم على ديانته استطعنا أن نستنتج أن ديانة البربر القديمة كانت أقرب إلى أن تكون كهنوتية منها إلى أن تكون إلهية.
ومهما يكن من أمر، فليس ثمة مجال للشك في أن البربر لم يكونوا أهل كتاب مقدس قط، وعلى هذا نرى - في جلاء ووضوح - أن التسامح الديني قد وصل في هذه الطريق إلى آخر مداه، إن لم نقل إنه أربى على ما كان يرمي إليه النبي.
أضف إلى هذا أن الحكم الإسلامي كان يتوخى التيسير والخير العام والبر بالشعوب المحكومة لا سيما النصارى، فقد كان سواد المسيحيين في الشرق ينتمي إلى مذاهب لقيت من اضطهاد حكومة القسطنطينية وإعناتها ما أرهق أصحابها إرهاقا، فلما جاء الإسلام - ومن طبيعته التسامح والإخاء - ترك لهم الحرية التامة في البقاء على دينهم ما داموا يؤثرونه على غيره من الأديان، وظللهم بحمايته، وسوى بينهم في الحقوق، على اختلاف مذاهبهم وشتى نحلهم.
Unknown page