151

Mukhtasar Tafsir Ibn Kathir

مختصر تفسير ابن كثير

Publisher

دار القرآن الكريم

Edition Number

السابعة

Publication Year

1402 AH

Publisher Location

بيروت

Genres

Tafsīr
- ٢٣٧ - وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
هذه الآية الكريمة تدل عَلَى اخْتِصَاصِ الْمُتْعَةِ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ الأولى، حيث أَوْجَبَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نِصْفَ الْمَهْرِ الْمَفْرُوضِ إذا طَلَّقَ الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ثَمَّ وَاجِبٌ آخَرُ مِنْ مُتْعَةٍ لَبَيَّنَهَا، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَنَهَا بِمَا قَبْلَهَا مِنَ اخْتِصَاصِ المتعة بتلك الآية، وَتَشْطِيرُ الصَّدَاقِ - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ قَدْ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا ثُمَّ فَارَقَهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهَا نِصْفُ مَا سَمَّى مِنَ الصَّدَاقِ، إِلَّا أَنَّ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ يَجِبُ جَمِيعُ الصَّدَاقِ إِذَا خَلَا بِهَا الزَّوْجُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَبِهِ حكم الخلفاء الراشدون، لكن قال ابن عباس: فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فَيَخْلُو بِهَا وَلَا يَمَسُّهَا ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، لَيْسَ لَهَا إِلَّا نِصْفُ الصَّدَاقِ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ قال الشافعي: بهذا أقول وهو ظاهر الكتاب.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ أَيِ النِّسَاءُ عَمَّا وَجَبَ لها على زوجها فلا يجب لها عليه شَيْءٍ، قال ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ ﴿إِلاَّ أَن يَعْفُونَ﴾: إلا أن تعفو الثيب فتدع حقها.
وقوله تعالى: ﴿أَوْ يعفو الذي بيده عقدة النكاح﴾ المراد به (الزوج) عن عيسى بن عَاصِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ شُرَيْحًا يَقُولُ: سَأَلَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَنِ ﴿الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ فَقُلْتُ لَهُ: هُوَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ علي: لا، بل هو الزوج، وهذا هو الجديد من قول الشافعي، ومذهب أبي حنيفة وأصحابه وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَمَأْخَذُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ حَقِيقَةً الزوجُ فَإِنَّ بِيَدِهِ عَقْدَهَا وَإِبْرَامَهَا وَنَقْضَهَا وَانْهِدَامَهَا، وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَهَبَ شَيْئًا مِنْ مال المولية للغير، فكذلك في الصداق. الوجه الثاني أنه أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ مَنْ لَا تُنْكَحُ إلا بإذنه وروى عن الحسن وعطاء وطاووس: أَنَّهُ (الْوَلِيُّ) وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ، وَمَأْخَذُهُ أَنَّ الْوَلِيَّ هُوَ الَّذِي أَكْسَبَهَا إِيَّاهُ، فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِخِلَافِ سَائِرِ مالها، وقال عكرمة: أَذِنَ اللَّهُ فِي الْعَفْوِ وَأَمَرَ بِهِ، فَأَيُّ امرأة عفت جاز عفوها.
وقوله تعالى: ﴿وَإِن تعفو أَقْرَبُ للتقوى﴾ خوطب به الرجال والنساء، قال ابن عباس: أقربهما للتقوى الذي يعفو، ﴿وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ﴾ الْمَعْرُوفُ يَعْنِي لَا تُهْمِلُوهُ بَلِ اسْتَعْمَلُوهُ بَيْنَكُمْ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ يَعَضُّ الْمُؤْمِنُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ وَيَنْسَى الْفَضْلَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ⦗٢١٨⦘ ﴿وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ «شِرَارٌ يبايعون كل مضطر» (رواه أحمد وأبو داود والترمذي) وقد نهى رسول بالله ﷺ عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَكَ خَيْرٌ فَعُدْ بِهِ عَلَى أَخِيكَ وَلَا تَزِدْهُ هَلَاكًا إِلَى هَلَاكِهِ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يحزنه ولا يحرمه، ﴿إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أُمُورِكُمْ وَأَحْوَالِكُمْ وَسَيَجْزِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ.

1 / 217