139

Mukhtasar Tafsir Ibn Kathir

مختصر تفسير ابن كثير

Publisher

دار القرآن الكريم

Edition Number

السابعة

Publication Year

1402 AH

Publisher Location

بيروت

Genres

Tafsīr
- ٢٢٤ - وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
- ٢٢٥ - لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالْلَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ
ومعناه: لَا تَجْعَلُوا أَيْمَانَكُمْ بِالْلَّهِ تَعَالَى مَانِعَةً لَكُمْ مِنَ الْبَرِّ وَصِلَةِ الرَّحِمِ إِذَا حَلَفْتُمْ عَلَى تركها كقوله تعالى: ﴿وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى والمساكين والمهاجرين فِي سبيل الله﴾، فَالِاسْتِمْرَارُ عَلَى الْيَمِينِ آثَمُ لِصَاحِبِهَا مِنَ الْخُرُوجِ منها بالتكفير كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَاللَّهِ لَأَنْ يَلَجَّ أحدكُم بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يعطى كفارته التي افترض الله عليه». وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تجعلو اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ﴾ قَالَ: لَا تَجْعَلَنَّ عُرْضَةً ليمينك أن لا تَصْنَعَ الْخَيْرَ، وَلَكِنْ كَفِّر عَنْ يَمِينِكَ وَاصْنَعِ الخير، ويؤيده مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا»، وَثَبَتَ فِيهِمَا أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعنت عَلَيْهَا، وَإِنَّ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلت إِلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ على يمين فرأيت غيرها خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عن يمينك». وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فليكفِّر عَنْ يَمِينِهِ وليفعل الذي هو خير» (رواه مسلم)
وقوله تَعَالَى: ﴿لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالْلَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ أَيْ لَا يُعَاقِبُكُمْ وَلَا يُلْزِمُكُمْ بِمَا صَدَرَ مِنْكُمْ مِنَ الْأَيْمَانِ اللَّاغِيَةِ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ، بَلْ تَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ عَادَةً مِنْ غَيْرِ تَعْقِيدٍ وَلَا تَأْكِيدٍ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ فقال في حلفه باللات وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» فَهَذَا قَالَهُ لِقَوْمٍ حَدِيثِي عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، قَدْ أَسْلَمُوا وَأَلْسِنَتُهُمْ قَدْ أَلِفَتْ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْحَلِفِ بِالْلَّاتِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، فَأُمِرُوا أَنَّ يلفظوا بِكَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ، كَمَا تَلَفَّظُوا بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِتَكُونَ هَذِهِ بِهَذِهِ وَلِهَذَا قَالَ تعالى: ﴿ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ الآية، وفي الآية الأُخرى: ﴿بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيمان﴾ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالْلَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ قَالَتْ: هُمُ القوم يتدارأون فِي الْأَمْرِ فَيَقُولُ هَذَا: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى والله وكلا ⦗٢٠٠⦘ والله يتدارأون في الأمر لا تعقد عليه قلوبهم. عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: إِنَّمَا اللَّغْوُ فِي الْمُزَاحَةِ وَالْهَزْلِ، وَهُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ: لا الله، وَبَلَى وَاللَّهِ، فَذَاكَ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، إِنَّمَا الْكُفَّارَةُ فِيمَا عَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ أَنْ يَفْعَلَهُ ثم لا يفعله.
(الوجه الثاني): عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِالْلَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ وَتَقُولُ: هُوَ الشَّيْءُ يَحْلِفُ عَلَيْهِ أَحَدُكُمْ لَا يُرِيدُ مِنْهُ إِلَّا الصِّدْقَ، فيكون على غير ما حلف عليه. وعن عطاء عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: هُوَ قَوْلُهُ: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ، وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ صَادِقٌ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ. (أَقْوَالٌ أُخر): قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: هُوَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ ثُمَّ يَنْسَاهُ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ: أَعْمَى اللَّهُ بَصَرِي إِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا، أَخْرَجَنِي اللَّهُ مِنْ مَالِي إِنْ لَمْ آتِكَ غَدًا فَهُوَ هَذَا، قَالَ طاووس عن ابن عباس: لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان. وعن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَغْوُ الْيَمِينِ أَنْ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ فَذَلِكَ مَا لَيْسَ عَلَيْكَ فِيهِ كَفَّارَةٌ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ (بَابُ الْيَمِينِ في الغضب): عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أَخَوَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ فَسَأَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ الْقِسْمَةَ فَقَالَ: إِنْ عُدْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْقِسْمَةِ فَكُلُّ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّ الْكَعْبَةَ غَنِيَّةٌ عَنْ مَالِكَ، كفِّر عَنْ يَمِينِكَ وَكَلِّمْ أَخَاكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
ﷺ يَقُولُ: «لَا يَمِينَ عَلَيْكَ وَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ الرَّبِّ ﷿ وَلَا فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلَا فِيمَا لَا تَمْلِكُ» وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: هُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: وَهِيَ كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأيمان﴾ الآية، ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ أَيْ غَفُورٌ لِعِبَادِهِ ﴿حَلِيمٌ﴾ عليهم.

1 / 199