113

Mukhtaṣar Tafsīr al-Baghawī al-musammā bi-Maʿālim al-Tanzīl

مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل

Publisher

دار السلام للنشر والتوزيع

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٦هـ

Publisher Location

الرياض

Genres

ظَاهِرِينَ أَوْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ فِي قَوْمٍ كُفَّارٍ يَخَافُهُمْ فَيُدَارِيهِمْ بِاللِّسَانِ، وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَحِلَّ دَمًا حَرَامًا أَوْ مَالًا حَرَامًا أَوْ يُظْهِرَ الْكُفَّارَ عَلَى عَوْرَةِ المسلمين، والتقية لا تكودن إِلَّا مَعَ خَوْفِ الْقَتْلِ وَسَلَامَةِ النِّيَّةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ [النَّحْلِ: ١٠٦] ثُمَّ هَذَا رُخْصَةٌ، فَلَوْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ فَلَهُ أَجْرٌ عظيم ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران: ٢٨] عَلَى مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ وَارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ وَمُخَالَفَةِ الْمَأْمُورِ، ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [آل عمران: ٢٨]
[٢٩] ﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ﴾ [آل عمران: ٢٩] قُلُوبِكُمْ مِنْ مَوَدَّةِ الْكُفَّارِ، ﴿أَوْ تُبْدُوهُ﴾ [آل عمران: ٢٩] من مُوَالَاتُهُمْ، قَوْلًا وَفِعْلًا، ﴿يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٢٩] قال الْكَلْبِيُّ: إِنْ تُسِرُّوا مَا فِي قُلُوبِكُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ التَّكْذِيبِ، أَوْ تُظْهِرُوهُ بِحَرْبِهِ وَقِتَالِهِ، يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَحْفَظْهُ عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيَكُمْ بِهِ، ثم قال: ﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [آل عمران: ٢٩] يَعْنِي: إِذَا كَانَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا في الأرض؟ فكيف يخفى عَلَيْهِ مُوَالَاتُكُمُ الْكُفَّارَ وَمَيْلُكُمْ إِلَيْهِمْ بِالْقَلْبِ؟ ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: ٢٩]
[٣٠] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ﴾ [آل عمران: ٣٠] نصب ﴿يَوْمَ﴾ [آل عمران: ٣٠] بِنَزْعِ حَرْفِ الصِّفَةِ أَيْ: فِي يَوْمِ، وَقِيلَ: بِإِضْمَارِ فِعْلٍ أَيِ اذْكُرُوا وَاتَّقُوا يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ، ﴿مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا﴾ [آل عمران: ٣٠] لَمْ يُبْخَسْ مِنْهُ شَيْءٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا﴾ [الْكَهْفِ: ٤٩] ﴿وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ﴾ [آل عمران: ٣٠] جعل بعضهم خيرا فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ، أَيْ تَجِدُ مُحْضَرًا مَا عَمِلَتْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَتُسَرُّ بِمَا عَمِلَتْ مِنَ الخير، وجعل بعضهم خيرا مستأنفا، ودليل هَذَا التَّأْوِيلِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵄: (وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ وَدَّتْ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا﴾ [آل عمران: ٣٠] أي: بين النفس ﴿وَبَيْنَهُ﴾ [آل عمران: ٣٠] يَعْنِي وَبَيْنَ السُّوءِ ﴿أَمَدًا بَعِيدًا﴾ [آل عمران: ٣٠] قَالَ السُّدِّيُّ: مَكَانًا بَعِيدًا، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَمَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَالْأَمَدُ الْأَجَلُ، وَالْغَايَةُ الَّتِي يُنْتَهَى إِلَيْهَا، وَقَالَ الْحَسَنُ: يَسُرُّ أَحَدَهُمْ ألا يَلْقَى عَمَلَهُ أَبَدًا، وَقِيلَ: يَوَدُّ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْهُ ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ [آل عمران: ٣٠]
[٣١] ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٣١] نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حَيْثُ قَالُوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، حب الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ اتِّبَاعُهُمْ أَمْرَهُ وَإِيثَارُ طَاعَتِهِ، وَابْتِغَاءُ مَرْضَاتِهِ، وَحُبُّ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِمْ وَثَوَابُهُ لَهُمْ وَعَفْوُهُ عَنْهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: ٣١] قيل: لِمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَجْعَلُ طَاعَتَهُ كَطَاعَةِ اللَّهِ وَيَأْمُرُنَا أَنْ نُحِبَّهُ كَمَا أَحَبَّتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
[٣٢] ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ [آل عمران: ٣٢]

1 / 121