Mukhtasar Tafsir Al-Baghawi, also known as Ma'alim at-Tanzil
مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل
Publisher
دار السلام للنشر والتوزيع
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤١٦هـ
Publisher Location
الرياض
Genres
[٦] ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٦] من الصور المختلفة ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَبْيَضَ أَوْ أَسْوَدَ حَسَنًا أَوْ قَبِيحًا تَامًّا أَوْ نَاقِصًا. ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: ٦] وهذا رد عَلَى وَفْدِ نَجْرَانَ مِنَ النَّصَارَى حَيْثُ قَالُوا عِيسَى وَلَدُ اللَّهِ، وكأنه يقول: كيف يكون ولدا وَقَدْ صَوَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرحم؟
[٧] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ﴾ [آل عمران: ٧] مُبَيِّنَاتٌ مُفَصَّلَاتٌ سُمِّيَتْ مُحْكَمَاتٍ مِنَ الْإِحْكَامِ كَأَنَّهُ أَحْكَمَهَا فَمَنَعَ الْخَلْقَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهَا لِظُهُورِهَا وَوُضُوحِ معناها، ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٧] أي: أصله الذي يعول عَلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ، وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [آل عمران: ٧] وَلَمْ يَقُلْ: أُمَّهَاتِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الْآيَاتِ كُلَّهَا فِي تَكَامُلِهَا وَاجْتِمَاعِهَا كالآية الواحدة، وكلام الله تعالى وَاحِدٌ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: كُلُّ آيَةٍ مِنْهُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ، كَمَا قَالَ: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً)، أَيْ: كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آيَةً، ﴿وَأُخَرُ﴾ [آل عمران: ٧] جَمْعُ أُخْرَى، وَلَمْ يَصْرِفْهُ لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ عَنِ الْآخَرِ مِثْلَ: عُمَرَ وزفر، ﴿مُتَشَابِهَاتٌ﴾ [آل عمران: ٧] فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ فَرَّقَ هَاهُنَا بَيْنَ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ وَقَدْ جَعَلَ الله كُلَّ الْقُرْآنِ مُحْكَمًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ فَقَالَ: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ [هود: ١] وجعل كله متشابها فَقَالَ: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا﴾ [الزُّمَرِ: ٢٣]؟ قِيلَ: حَيْثُ جَعَلَ الْكُلَّ مُحْكَمًا أَرَادَ أَنَّ الْكُلَّ حَقٌّ لَيْسَ فِيهِ عَبَثٌ وَلَا هَزْلٌ، وَحَيْثُ جَعَلَ الْكُلَّ مُتَشَابِهًا أَرَادَ أَنَّ بَعْضَهُ يُشْبِهُ بَعْضًا فِي الْحَقِّ وَالصِّدْقِ وَفِي الْحُسْنِ، وَجَعَلَ هَاهُنَا بَعْضَهُ مُحْكَمًا وَبَعْضَهُ مُتَشَابِهًا. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: الْمُحْكَمَاتُ هُنَّ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام: ١٥١] وَنَظِيرُهَا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٢٣] الْآيَاتِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الْمُتَشَابِهَاتُ حُرُوفُ التَّهَجِّي فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: الْمُحْكَمُ مَا فِيهِ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مُتَشَابِهٌ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي الْحَقِّ وَيُصَدِّقُ بعضه بعضا، وَقَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: الْمُحْكَمُ النَّاسِخُ الَّذِي يُعمل بِهِ، وَالْمُتَشَابِهُ الْمَنْسُوخُ الَّذِي يُؤْمَنُ بِهِ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ. وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: مُحْكَمَاتُ الْقُرْآنِ: نَاسِخُهُ، وَحَلَالُهُ، وَحَرَامُهُ، وَحُدُودُهُ، وَفَرَائِضُهُ، وَمَا يُؤْمَنُ بِهِ، وَيُعْمَلُ بِهِ وَالْمُتَشَابِهَاتُ: مَنْسُوخُهُ، ومقدِّمه، وَمُؤَخَّرُهُ، وَأَمْثَالُهُ، وَأَقْسَامُهُ، وَمَا يُؤْمَنُ بِهِ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ. وَقِيلَ: الْمُحْكَمَاتُ مَا أَوْقَفَ اللَّهُ الْخَلْقَ عَلَى مَعْنَاهُ، وَالْمُتَشَابِهُ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تعالى بعلمه، ولا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إِلَى عِلْمِهِ، نَحْوَ الخبر عن أشراط الساعة، وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِ عِيسَى ﵇، وَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وقيام الساعة، وفناء الدنيا. قال أحمد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: الْمُحْكَمُ مَا لَا يَحْتَمِلُ مِنَ التَّأْوِيلِ غَيْرَ وَجْهٍ
1 / 113