97

Mukhtaṣar al-Ṣawāʿiq al-Mursala ʿalā al-Jahmiyya waʾl-Muʿaṭṭila

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

Investigator

سيد إبراهيم

Publisher

دار الحديث

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

Publisher Location

القاهرة - مصر

Genres

أَضَرُّ مِنْ عَدَمِهِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَفِيدُونَ مِنْ جِهَتِهِ عِلْمًا بِهَذَا الشَّأْنِ، وَاحْتَاجُوا إِلَى دَفْعِ مَا جَاءَ بِهِ، إِمَّا بِتَكْذِيبٍ، وَإِمَّا بِتَأْوِيلٍ، وَإِمَّا بِإِعْرَاضٍ وَتَفْوِيضٍ.
فَإِذَا قِيلَ: لَا يُمْكِنُ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا يُنَافِي الْعَقْلَ فَإِنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَمُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ، قِيلَ: فَهَذَا إِقْرَارٌ بِاسْتِحَالَةِ مُعَارَضَةِ الْعَقْلِ لِلسَّمْعِ وَاسْتِحَالَةِ الْمَسْأَلَةِ، وَعُلِمَ أَنَّ جَمِيعَ أَخْبَارِهِ لَا تُنَاقِضُ الْعَقْلَ.
قَعَدَ النَّقْلُ سَالِمًا مِنْ مُنَافٍ ... وَاسْتَرَحْنَا مِنَ الصُّدَاعِ جَمِيعًا
فَإِنْ قِيلَ: بَلِ الْمُعَارَضَةُ ثَابِتَةٌ بَيْنَ الْعَقْلِ وَبَيْنَ مَا يُفْهِمُهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، وَلَيْسَتْ ثَابِتَةً بَيْنَ الْعَقْلِ وَبَيْنَ نَفْسِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ فَالْمُعَارَضَةُ ثَابِتَةٌ بَيْنَ الْعَقْلِ وَبَيْنَ مَا يُظَنُّ أَنَّهُ دَلِيلٌ وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ، أَوْ يَكُونُ دَلِيلًا ظَنِّيًّا لِتَطَرُّقِ الظَّنِّ إِلَى بَعْضِ مُقَدِّمَاتِ إِسْنَادِهِ أَوِ امْتِنَاعًا؟
قِيلَ: وَهَذَا رَفَعَ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ وَيُحِيلُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَيُصَيِّرُ صُورَتُهَا هَكَذَا: إِذَا تَعَارَضَ الدَّلِيلُ الْقَوْلِيُّ وَمَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْعَقْلِ، وَهُوَ كَلَامٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا حَاصِلَ لَهُ، وَكُلُّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ أَنَّ الدَّلِيلَ لَا يُتْرَكُ لِمَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ.
ثُمَّ يُقَالُ: إِذَا فَسَّرْتُمُ الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ بِمَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلِ اعْتِقَادُ دَلَالَتِهِ جَهْلٌ، أَوْ بِمَا يُظَنُّ أَنَّهُ دَلِيلٌ وَلَيْسَ دَلِيلًا، فَإِنْ كَانَ السَّمْعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ لِكَوْنِهِ خَبَرًا مَكْذُوبًا أَوْ صَحِيحًا، وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مُعَارَضَتِهِ الْعَقْلَ بِوَجْهٍ، وَأَبَيْتُمُ التَّعَارُضَ وَالتَّقْدِيمَ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فَسَاعَدْنَاكُمْ عَلَيْهِ، وَكُلُّنَا أَسْعَدُ بِذَلِكَ مِنْكُمْ، فَأَنَا أَشَدُّ مِنْكُمْ نَفْيًا لِلْأَحَادِيثِ الْمَكْذُوبَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَشَدُّ إِبْطَالًا لِمَا تَحْمِلُهُ مِنَ الْمَعَانِي الْبَاطِلَةِ، وَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ ظَاهِرَ الدِّلَالَةِ بِنَفْسِهِ عَلَى الْمُرَادِ، لَمْ يَكُنْ مَا عَارَضَهُ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ إِلَّا خَيَالِيَّاتٍ فَاسِدَةً.
السَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ: لَوْ قَدْ عَارَضَ الْعَقْلُ لِلشَّرْعِ لَوَجَبَ تَقْدِيمُ الشَّرْعِ ; لَأَنَّ الْعَقْلَ قَدْ صَدَّقَ الشَّرْعَ، وَمِنْ ضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ لَهُ قَبُولُ خَبَرِهِ، وَالشَّرْعُ لَمْ يُصَدِّقِ الْعَقْلَ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَلَا الْعِلْمُ بِصِدْقِ الشَّرْعِ مَوْقُوفٌ عَلَى كُلِّ مَا يُخْبِرُ بِهِ الْعَقْلُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْمَسْلَكَ إِذَا سُلِكَ أَصَحُّ مِنْ مَسْلَكِهِمْ، كَمَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِيمَانِ: يَكْفِيكَ مِنَ الْعَقْلِ أَنْ يُعَرِّفَكَ صِدْقَ الرَّسُولِ وَمَعَانِيَ كَلَامِهِ ثُمَّ يُخَلِّي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، وَقَالَ آخَرُ: الْعَقْلُ سُلْطَانٌ وَلَّى الرَّسُولَ ثُمَّ عَزَلَ نَفْسَهُ ; وَلِأَنَّ الْعَقْلَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ يَجِبُ تَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ وَطَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ ; وَلِأَنَّ الْعَقْلَ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ دِلَالَةً عَامَّةً مُطْلَقَةً، وَلَا يَدُلُّ عَلَى

1 / 112