Mukhtasar Sawaciq Mursala
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
Investigator
سيد إبراهيم
Publisher
دار الحديث
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
Publisher Location
القاهرة - مصر
Genres
[كَسْرُ الطَّاغُوتِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُمْ إِذَا تَعَارَضَ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْعَقْلِ]
كَسْرُ الطَّاغُوتِ الثَّانِي
وَهُوَ قَوْلُهُمْ: إِذَا تَعَارَضَ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْعَقْلِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَلَا إِبْطَالُهُمَا، وَلَا يُقَدَّمُ النَّقْلُ، لِأَنَّ الْعَقْلَ أَصْلُ النَّقْلِ، فَلَوْ قَدَّمَنَا عَلَيْهِ النَّقْلَ لَبَطَلَ الْعَقْلُ، وَهُوَ أَصْلُ النَّقْلِ، فَلَزِمَ بُطْلَانُ النَّقْلِ، فَيَلْزَمُ مِنْ تَقْدِيمِ النَّقْلِ بُطْلَانُ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ، فَتَعَيَّنَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ وَهُوَ تَقْدِيمُ الْعَقْلِ.
فَهَذَا الطَّاغُوتُ أَخُو ذَلِكَ الْقَانُونِ، فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثِ مُقَدِّمَاتٍ:
الْأُولَى: ثُبُوتُ التَّعَارُضِ بَيْنَ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ، وَالثَّانِيَةُ: انْحِصَارُ التَّقْسِيمِ فِي الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِيهِ، الثَّالِثَةُ: بُطْلَانُ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ لِيَتَعَيَّنَ ثُبُوتُ الرَّابِعِ.
وَقَدْ أَشَفَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي هَذَا الْبَابِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَبَيَّنَ بُطْلَانَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ وَكَسَرَ هَذَا الطَّاغُوتَ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ فَنَحْنُ نُشِيرُ إِلَى كَلِمَاتٍ يَسِيرَةٍ هِيَ قَطْرَةٌ مِنْ بَحْرِهِ تَتَضَمَّنُ كَسْرَهُ، وَذَلِكَ يَظْهَرُ مِنْ وُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ، وَالتَّقْسِيمُ الصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ: إِذَا تَعَارَضَ دَلِيلَانِ سَمْعِيَّانِ أَوْ عَقْلِيَّانِ، أَوْ سَمْعِيٌّ وَعَقْلِيٌّ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَا قَطْعِيَّيْنِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَا ظَنِّيَّيْنِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَطْعِيًّا وَالْآخَرُ ظَنِّيًّا، فَأَمَّا الْقَطْعِيَّانِ فَلَا يُمْكِنُ تَعَارُضُهُمَا فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ هُوَ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ مَدْلُولَهُ قَطْعِيًّا، وَلَوْ تَعَارَضَا لَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَهَذَا لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَطْعِيًّا وَالْآخَرُ ظَنِّيًّا تَعَيَّنَ تَقْدِيمُ الْقَطْعِيِّ، سَوَاءٌ كَانَ عَقْلِيًّا أَوْ سَمْعِيًّا، وَإِنْ كَانَا ظَنِّيَّيْنِ صِرْنَا إِلَى التَّرْجِيحِ وَوَجَبَ تَقْدِيمُ الرَّاجِحِ مِنْهُمَا، وَهَذَا تَقْسِيمٌ رَاجِحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى مَضْمُونِهِ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ، فَأَمَّا إِثْبَاتُ التَّعَارُضِ بَيْنَ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ وَالسَّمْعِيِّ وَالْجَزْمُ بِتَقْدِيمِ الْعَقْلِيِّ مُطْلَقًا فَخَطَأٌ وَاضِحٌ مَعْلُومُ الْفَسَادِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: إِذَا تَعَارَضَ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ فَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْقَطْعِيَّيْنِ فَلَا نُسَلِّمُ إِمْكَانَ التَّعَارُضِ، وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الظَّنِّيَّيْنِ فَالتَّقْدِيمُ الرَّاجِحُ مُطْلَقًا، وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْعَقْلِيَّ هُوَ الْقَطْعِيُّ كَانَ تَقْدِيمُهُ لِأَنَّهُ قَطْعِيٌّ لَا لِأَنَّهُ عَقْلِيٌّ، فَعُلِمَ أَنَّ تَقْدِيمَ الْعَقْلِيِّ مُطْلَقًا خَطَأٌ وَأَنَّ جَعْلَ جِهَةِ التَّرْجِيحِ كَوْنُهُ عَقْلِيًّا خَطَأٌ، وَأَنَّ جَعْلَ سَبَبِ التَّأْخِيرِ وَالِاطِّرَادِ كَوْنُهُ نَقْلِيًّا خَطَأٌ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: إِنْ قَدَّمْنَا النَّقْلَ لَزِمَ الطَّعْنُ فِي أَصْلِهِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ:
1 / 109