74

Mukhtaṣar al-Ṣawāʿiq al-Mursala ʿalā al-Jahmiyya waʾl-Muʿaṭṭila

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

Editor

سيد إبراهيم

Publisher

دار الحديث

Edition

الأولى

Publication Year

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

Publisher Location

القاهرة - مصر

Genres

ثُمَّ أَكَّدَ الدِّلَالَةَ بِالتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الشَّيْءِ الْأَعْظَمِ الْأَكْبَرِ فَهُوَ عَلَى مَا دُونَهُ أَقْدَرُ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ﴾ [يس: ٨١] فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الَّذِي أَبْدَعَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى جَلَالَتِهِمَا وَعِظَمِ شَأْنِهِمَا، وَكِبَرِ أَجْسَامِهِمَا وَسِعَتِهِمَا وَعَجِيبِ خَلْقِهِمَا، أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ عِظَامًا صَارَتْ رَمِيمًا فَيَرُدَّهَا إِلَى حَالَتِهَا الْأُولَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: ٥٧] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأحقاف: ٣٣] .
ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بَيَانًا آخَرَ يَتَضَمَّنُ مَعَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ دَفْعَ شُبَهِ كَلِّ مُلْحِدٍ وَجَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ فِي فِعْلِهِ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ يَفْعَلُ بِالْآلَاتِ وَالْكُلْفَةِ وَالتَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ وَلَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالْفِعْلِ، بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ آلَةٍ وَمُشَارِكٍ وَمُعِينٍ، بَلْ يَكْفِي فِي خَلْقِ مَا يُرِيدُ خَلْقَهُ ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة: ١١٧] فَأَخْبَرَ أَنَّ نُفُوذَ إِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَسُرْعَةَ تَكْوِينِهِ وَانْقِيَادَ الْكَوْنِ لَهُ، ثُمَّ خَتَمَ هَذِهِ الْحُجَّةَ بِإِخْبَارِهِ أَنَّ مَلَكُوتَ كُلِّ شَيْءٍ بِيَدِهِ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: ٢٤٥] .
سُبْحَانَ الْمُتَكَلِّمُ بِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي جَمَعَ مَعَ وَجَازَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَصِحَّةِ بُرْهَانِهِ كُلَّ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْ تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ وَجَوَابِ الشُّبْهَةِ بِأَلْفَاظٍ لَا أَعْذَبَ مِنْهَا لِلسَّمْعِ، وَلَا أَحْلَى مِنْ مَعَانِيهَا لِلْقَلْبِ، وَلَا أَنْفَعَ مِنْ ثَمَرَاتِهَا لِلْعَبْدِ.
وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا - قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا - أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا - يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٤٩ - ٥٢] فَتَأَمَّلْ مَا أُجِيبُوا بِهِ عَنْ كُلِّ سُؤَالٍ عَلَى التَّفْصِيلِ: فَإِنَّهُمْ قَالُوا: ﴿أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾ [الإسراء: ٤٩] فَقِيلَ لَهُ فِي جَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ: إِنْ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنْ لَا خَالِقَ لَكُمْ وَلَا رَبَّ، فَهَلَّا كُنْتُمْ خَلْقًا لَا يُصِيبُهُ التَّعَبُ كَالْحِجَارَةِ وَالْحَدِيدِ وَمَا هُوَ أَكْبَرُ فِي صُدُورِكُمْ مِنْ ذَلِكَ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: لَنَا رَبٌّ خَالِقٌ خَلَقَنَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَأَنْشَأْنَا هَذِهِ النَّشْأَةَ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْبَقَاءَ، وَلَمْ يَجْعَلْنَا

1 / 88