317

Mukhtaṣar al-Ṣawāʿiq al-Mursala ʿalā al-Jahmiyya waʾl-Muʿaṭṭila

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

Editor

سيد إبراهيم

Publisher

دار الحديث

Edition

الأولى

Publication Year

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

Publisher Location

القاهرة - مصر

Genres

بِهَذِهِ الْعِبَارَاتِ، أَمْ تَعْنُونَ أَنَّهَا إِذَا وَرَدَتْ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْهَا هَذِهِ الْمَعَانِيَ، وَهِيَ مَجَازَاتٌ فِيهَا.
فَإِنْ أَرَدْتُمُ الْأَوَّلَ فَأَنْتُمْ وَذَاكَ، فَاسْتَعْمِلُوهَا فِيمَا أَرَدْتُمْ، وَسَمُّوا ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالَ مَا شِئْتُمْ، وَإِنْ أَرَدْتُمُ الثَّانِيَ كُنْتُمْ مُخْطِئِينَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: حُكْمُكُمْ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ خِلَافَ مَعَانِيهَا الْمَفْهُومَةِ مِنْهَا عِنْدَ التَّخَاطُبِ، فَإِنَّ هَذَا ضِدُّ الْبَيَانِ وَالتَّفْهِيمِ، وَهُوَ بِالتَّلْبِيسِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالتَّبْيِينِ، فَتَعَالَى عَنْهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَقَدْ صَرَّحَ النَّاسُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ وَيَعْنِيَ بِهِ خِلَافَ ظَاهِرِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَلَامُ رَسُولِهِ ﷺ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَصِّلِ فِي الْبَابِ التَّاسِعِ مِنْ أَحْكَامِ اللُّغَاتِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْنِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِكَلَامِهِ خِلَافَ ظَاهِرِهِ، وَالْخِلَافُ فِيهِ مَعَ الْمُرْجِئَةِ، قَالَ: لَنَا أَنَّ اللَّفْظَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ مُهْمَلٌ، وَالتَّكَلُّمَ بِهِ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
ثُمَّ أَجَابَ عَنْ شُبَهِ الْمُنَازِعِينَ بِأَنْ قَالَ: لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ لَمْ يَبْقَ لَنَا اعْتِمَادٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ مَا مِنْ خَبَرِ إِلَّا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ غَيْرَ ظَاهِرِهِ، وَذَلِكَ يَنْفِي الْوُثُوقَ. اهـ.
وَعَلَى هَذَا فَنَقُولُ: إِذَا كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﷺ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحَقِيقَةَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَجَازِهِ، وَخِلَافِ ظَاهِرِهِ الْبَتَّةَ لِمَا ذَكَرَهُ مِنَ الدَّلِيلِ، فَإِنَّ الْمَجَازَ لَوْ صَحَّ كَانَ خِلَافَ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ، وَلَا يَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَلَا عَلَى رَسُولِهِ ﷺ أَنَّهُ أَرَادَ بِكَلَامِهِ خِلَافَ ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ، وَلَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ الْبَتَّةَ، بَلْ كُلُّ مَوْضِعٍ ظَهَرَ فِيهِ الْمُرَادُ بِذَلِكَ التَّرْكِيبِ وَالِاقْتِرَانِ فَهُوَ ظَاهِرُهُ وَحَقِيقَتُهُ لَا ظَاهِرَ لَهُ غَيْرُهُ، وَلَا حَقِيقَةَ لَهُ سِوَاهُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ﴾ [النحل: ١١٢] حَقِيقَتُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَجَاعَهَا بَعْدَ شِبَعِهَا، وَأَخَافَهَا بَعْدَ أَمْنِهَا، وَأَلْبَسَ بَوَاطِنَهَا ذُلَّ الْجُوعِ وَذُلَّ الْخَوْفِ، فَصَارَ ذَلِكَ لِبَاسًا لِبَوَاطِنِهِمْ تَذُوقُهُ وَتُبَاشِرُهُ، وَلِبَاسُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، وَلِبَاسُ الظَّاهِرِ ظَاهِرٌ، وَلِبَاسُ الْبَاطِنِ بَاطِنٌ، فَذَوْقُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، فَذَوْقُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِالْفَمِ، وَذَوْقُ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِالْقَلْبِ، وَذَوْقُ الْإِيمَانِ بِالْقَلْبِ أَيْضًا، كَقَوْلِهِ ﷺ " «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا»، فَهَذَا الذَّوْقُ

1 / 334