Mukhtaṣar al-Ṣawāʿiq al-Mursala ʿalā al-Jahmiyya waʾl-Muʿaṭṭila
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
Editor
سيد إبراهيم
Publisher
دار الحديث
Edition
الأولى
Publication Year
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
Publisher Location
القاهرة - مصر
Genres
الْغَلَبَةُ لَهُ، كَمَا أَنَّ " رَحْمَتَهُ تَغْلِبُ غَضَبَهُ " قِيلَ: الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ بَيَانُ أَنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى هَذَا الْمَنْعِ، وَالْمَنْعُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلْعُقُوبَةِ لَيْسَ بِظُلْمٍ، وَهَذَا سُؤَالٌ عَنِ الْحِكْمَةِ الَّتِي أَوْجَبَتْ تَقْدِيمَ الْعَدْلِ عَلَى الْفَضْلِ فِي بَعْضِ الْمَحَالِ، وَهَلَّا سَاوَى بَيْنَ الْعِبَادِ فِي الْفَضْلِ، وَهَذَا السُّؤَالُ حَاصِلُهُ: لِمَ تَفَضَّلَ عَلَى هَذَا وَلَمْ يَتَفَضَّلْ عَلَى هَذَا؟ وَقَدْ تَوَلَّى سُبْحَانَهُ الْجَوَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد: ٢١]، وَقَوْلِهِ: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد: ٢٩]، وَلَيْسَ فِي الْحِكْمَةِ إِطْلَاعُ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ النَّاسِ عَلَى كَمَالِ حِكْمَتِهِ فِي عَطَائِهِ وَمَنْعِهِ، بَلْ إِذَا كَشَفَ اللَّهُ عَنْ بَصِيرَةِ الْعَبْدِ حَتَّى أَبْصَرَ طَرَفًا يَسِيرًا مِنْ حِكْمَتِهِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ وَثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ، وَتَأَمَّلَ أَحْوَالَ مَحَالِّ ذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا عَلِمَهُ عَلَى مَا لَمْ يَعْلَمْهُ، وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَصْدَرَ مَا عَلِمَ وَمَا لَمْ يَعْلَمْهُ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ لَا تُوزَنُ بِعُقُولِ الْمَخْلُوقِينَ، فَقَدْ وُفِّقَ لِلصَّوَابِ.
وَلَمَّا اسْتَشْكَلَ الْمُشْرِكُونَ هَذَا التَّخْصِيصَ قَالُوا: ﴿أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا﴾ [الأنعام: ٥٣] فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُجِيبًا لَهُمْ: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: ٥٣]، وَهَذَا جَوَابٌ شَافٍ كَافٍ، وَفِي ضِمْنِهِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يَصْلُحُ لِغَرْسِ شَجَرَةِ النِّعْمَةِ فَتُثْمِرُ بِالشُّكْرِ مِنَ الْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَصْلُحُ لِغَرْسِهَا، فَلَوْ كَرِّسَتْ فِيهِ لَمْ تُثْمِرْ، فَكَانَ غَرْسُهَا هُنَاكَ ضَائِعًا لَا يَلِيقُ بِالْحِكْمَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: ١٢٤]
[فصل العدل الإلهي في الثواب والعقاب]
فَصْلٌ
فَلْنَرْجِعْ إِلَى تَمَامِ الْمَقْصُودِ فَنَقُولُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْعُقُوبَةِ عَلَى الْأُمُورِ الْعَدَمِيَّةِ فَمُنْكِرُو الْحِكَمِ وَالتَّعْلِيلِ لَا ضَابِطَ لِلْعُقُوبَةِ عِنْدَهُمْ إِلَّا مَحْضُ الْمَشِيئَةِ، وَأَمَّا مُثْبِتُو الْحِكَمِ وَالتَّعْلِيلِ فَالْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ يَقُولُونَ لَا يُعَاقِبُ عَلَى عَدَمِ الْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ عَدَمٌ مَحْضٌ، وَإِنَّمَا يُعَاقِبُ عَلَى تَرْكِهِ، وَالتَّرْكُ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَبُو هَاشِمٍ وَغَيْرُهُ يَقُولُونَ: يُعَاقِبُ
1 / 244