164

Mukhtaṣar al-Ṣawāʿiq al-Mursala ʿalā al-Jahmiyya waʾl-Muʿaṭṭila

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

Editor

سيد إبراهيم

Publisher

دار الحديث

Edition

الأولى

Publication Year

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

Publisher Location

القاهرة - مصر

Genres

التَّامَّ لَا يَكُونُ إِلَّا لِوَاحِدٍ، وَهَاتَانِ مُقَدِّمَتَانِ يَقِينِيَّتَانِ مَعْلُومَتَانِ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ، وَجَاءَتْ نُصُوصُ الْأَنْبِيَاءِ مُفَصَّلَةً بِمَا فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ إِدْرَاكُهُ قَطْعًا، فَاتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: ١٦٥]، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَعَلُّقِ قَوْلِهِ: ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: ١٦٥] بِمَاذَا؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ مَفْعُولُ يَرَى، أَيْ فَلَوْ يَرَوْنَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا لَمَا عَصَوْهُ وَلَمَا كَذَّبُوا رُسُلَهُ وَقَدَّمُوا عُقُولَهُمْ عَلَى وَحْيِهِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلِ الْمَعْنَى: لِأَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا، وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ عَلَى التَّقْدِيرِ، أَيْ وَلَوْ يَرَى هَؤُلَاءِ حَالَهُمْ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ لَرَأَوْا أَمْرًا عَظِيمًا، ثُمَّ قَالَ: ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: ١٦٥]، وَقَالَ: ﴿إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥٤]، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ: " «لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ» "، وَفِي الْأَثَرِ الْآخَرِ: " «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَكَ الْمُلْكُ كُلُّهُ، وَبِيَدِكَ الْخَيْرُ كُلُّهُ، وَإِلَيْكَ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» .
[إثبات الصفات لا يلزم منه التشبيه]
فَلِلَّهِ سُبْحَانَهُ كُلُّ صِفَةِ كَمَالٍ، وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ كُلِّهَا، وَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ صِفَةً وَاحِدَةً يُعْتَبَرُ بِهَا فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ: وَهُوَ أَنَّكَ لَوْ فَرَضْتَ جَمَالَ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ كَانَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى جَمَالِ ذَلِكَ الشَّخْصِ لَكَانَ نِسْبَتُهُ إِلَى جَمَالِ الرَّبِّ ﵎ دُونَ نِسْبَةِ سِرَاجٍ ضَعِيفٍ إِلَى جِرْمِ الشَّمْسِ، وَكَذَلِكَ قَوَّتُهُ سُبْحَانَهُ وَعَلِمُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَكَلَامُهُ وَقُدْرَتُهُ وَرَحْمَتُهُ وَحِكْمَتُهُ وَوُجُودُهُ، وَسَائِرُ صِفَاتِهِ، وَهَذَا مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتُهُ الْكَوْنِىةُ السَّمْعِيَّةُ، وَأَخْبَرَتْ بِهِ رُسُلُهُ عَنْهُ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ ﷺ: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» ".
فَإِذَا كَانَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ الْأَعْلَى لَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَوْ كَشَفَ حِجَابَ النُّورِ عَنْ تِلْكَ السُّبُحَاتِ لِأَحْرَقَ الْعَالَمَ الْعُلْوِيَّ وَالسُّفْلِيَّ، فَمَا الظَّنُّ بِجَلَالِ ذَلِكَ الْوَجْهِ

1 / 179