16

Mukhtaṣar al-Ṣawāʿiq al-Mursala ʿalā al-Jahmiyya waʾl-Muʿaṭṭila

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

Editor

سيد إبراهيم

Publisher

دار الحديث

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

Publisher Location

القاهرة - مصر

Genres

قِيلَ لَكَ: وَكَذَلِكَ الْإِرَادَةُ هِيَ مَيْلُ النَّفْسِ إِلَى جَلْبِ مَا يَنْفَعُهَا وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهَا، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا أَثْبَتَّهُ مِنَ الصِّفَاتِ إِنَّمَا هِيَ أَغْرَاضٌ قَائِمَةٌ بِالْأَجْسَامِ فِي الشَّاهِدِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ انْطِبَاعُ صُورَةِ الْمَعْلُومِ فِي نَفْسِ الْعَالِمِ، أَوْ صِفَةٌ عَرَضِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِهِ، وَكَذَلِكَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْحَيَاةُ أَعْرَاضٌ قَائِمَةٌ بِالْمَوْصُوفِ، فَكَيْفَ لَزِمَ التَّشْبِيهُ وَالتَّجْسِيمُ مِنْ إِثْبَاتِ تِلْكَ الصِّفَاتِ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ إِثْبَاتٍ هَذِهِ؟
فَإِنْ قُلْتَ: أَنَا أُثْبِتُهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُمَاثِلُ صِفَاتِنَا وَلَا يُشْبِهُهَا.
قِيلَ لَكَ: فَهَلَّا أَثْبَتَّ الْجَمِيعَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمَاثِلُ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ؟
فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا لَا يُعْقَلُ، قِيلَ لَكَ: فَكَيْفَ عَقَلْتَ سَمْعًا وَبَصَرًا وَحَيَاةً وَإِرَادَةً وَمَشِيئَةً، لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ؟
فَإِنْ قُلْتَ: أَنَا أُفَرِّقُ بَيْنَ مَا يُتَأَوَّلُ وَمَا لَا يُتَأَوَّلُ بِأَنَّ مَا دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى ثُبُوتِهِ يَمْتَنِعُ تَأْوِيلُهُ كَالْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَمَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ يَجِبُ أَوْ يَسُوغُ تَأْوِيلُهُ كَالْيَدِ وَالْوَجْهِ وَالضَّحِكِ وَالْفَرَحِ وَالْغَضَبِ وَالرِّضَى، فَإِنَّ الْفِعْلَ الْمُحْكَمَ دَلَّ عَلَى الْإِرَادَةِ فَيَمْتَنِعُ مُخَالَفَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحُ الْعَقْلِ.
قِيلَ لَكَ: وَكَذَلِكَ الْإِنْعَامُ وَالْإِحْسَانُ وَكَشْفُ الضُّرِّ وَتَفْرِيجُ الْكُرُبَاتِ دَلَّ عَلَى الرَّحْمَةِ كَدِلَالَةِ التَّخْصِيصِ عَلَى الْإِرَادَةِ سَوَاءٌ، وَالتَّخْصِيصُ بِالْكَرَامَةِ وَالِاصْطِفَاءِ وَالِاخْتِيَارِ دَالٌّ عَلَى الْمَحَبَّةِ كَدِلَالَةِ مَا ذَكَرْتَ عَلَى الْإِرَادَةِ، وَالْإِهَانَةُ وَالطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ وَالْحِرْمَانُ دَالٌّ عَلَى الْمَقْتِ وَالْبُغْضِ كَدِلَالَةِ ضِدِّهِ عَلَى الرِّضَى وَالْحُبِّ، وَالْعُقُوبَةُ وَالْبَطْشُ وَالِانْتِقَامُ دَالٌّ عَلَى الْغَضَبِ كَدِلَالَةِ ضِدِّهِ عَلَى الرِّضَى.
وَنَقُولُ ثَانِيًا: هَبْ أَنَّ الْعَقْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ هَذِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي نَفَيْتَهَا فَإِنَّهُ لَا يَنْفِيهَا، وَالسَّمْعُ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، بَلِ الطُّمَأْنِينَةُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ أَعْظَمُ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ إِلَى مُجَرَّدِ الْعَقْلِ، فَمَا الَّذِي يُسَوِّغُ لَكَ نَفْيَ مَدْلُولِهِ؟
وَيُقَالُ ثَالِثًا: إِنْ كَانَ ظَاهِرُ النُّصُوصِ يَقْتَضِي تَشْبِيهًا وَتَجْسِيمًا فَهُوَ يَقْتَضِيهِ فِي الْجَمِيعِ، فَأَوِّلِ الْجَمِيعَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ تَأْوِيلُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّ بَعْضَهَا يَقْتَضِيهِ وَبَعْضَهَا لَا يَقْتَضِيهِ طُولِبْتَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.
وَلَمَّا تَفَطَّنَ بَعْضُهُمْ لِتَعَذُّرِ الْفِرَاقِ قَالَ: مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ كَصِفَاتِ السَّمْعِ لَا يَتَأَوَّلُ، وَمَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ فَإِنَّهُ يَتَأَوَّلُ، وَهَذَا كَمَا تَرَاهُ مِنْ أَفْسَدِ الْفُرُوقِ، فَإِنَّ مَضْمُونَهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ أَثْبَتَ مَا يَدُلُّ رَأْيُ التَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ، وَهَذَا قَدْحٌ فِي الْإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى بَاطِلٍ.

1 / 30