153

Mukhtaṣar al-Ṣawāʿiq al-Mursala ʿalā al-Jahmiyya waʾl-Muʿaṭṭila

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

Editor

سيد إبراهيم

Publisher

دار الحديث

Edition

الأولى

Publication Year

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

Publisher Location

القاهرة - مصر

Genres

وَقَدْ أَنْزَلَ كِتَابًا مُفَصَّلًا، فَإِنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا﴾ [الأنعام: ١١٤] جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَقَوْلُهُ: (مُفَصَّلًا) يُبَيِّنُ أَنَّ الْكِتَابَ الْحَاكِمَ مُفَصَّلٌ مُبَيَّنٌ ضِدَّ مَا يَصِفُهُ بِهِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ عُقُولَ الرِّجَالِ تُعَارِضُ بَعْضَ نُصُوصِهِ، أَوْ أَنَّ نُصُوصَهُ خَلِيَتْ أَوْ أَفْهَمَتْ خِلَافَ الْحَقِّ لِمَصْلَحَةِ الْمُخَاطَبِ، أَوْ أَنَّ لَهَا مَعَانِيَ لَا تُفْهَمُ وَلَا يُعْلَمُ الْمُرَادُ مِنْهَا، أَوْ أَنَّ لَهَا تَأْوِيلَاتٍ بَاطِلَةً، خِلَافَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ ظَوَاهِرُهَا، فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ لَيْسَ الْكِتَابُ عِنْدَهُمْ مُفَصَّلًا، بَلْ مُجْمَلٌ مُؤَوَّلٌ، وَلَا يُعْلَمُ الْمُرَادُ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ أَوْ إِفْهَامُ خِلَافِ الْحَقِّ، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [الأنعام: ١١٤] وَذَلِكَ أَنَّ الْكِتَابَ الْأَوَّلَ مُصَدِّقٌ لِلْقُرْآنِ، فَمَنْ نَظَرَ فِيهِ عَلِمَ عِلْمًا يَقِينًا أَنَّ هَذَا وَهَذَا مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ، لَا سِيَّمَا فِي بَابِ التَّوْحِيدِ وَالْأَسْمَاءِ، فَإِنَّ التَّوْرَاةَ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ الْمُبَدَّلُ الْمُحَرَّفُ الَّذِي أَنْكَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، بَلْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي شَهِدَ لَهُ الْقُرْآنُ وَصَدَّقَهُ، وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْهِمْ مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الصِّفَاتِ ; وَلَا عَابَهُمْ بِهِ ; وَلَا جَعَلَهُ تَشْبِيهًا وَتَجْسِيمًا وَتَمْثِيلًا، كَمَا فَعَلَ كَثِيرٌ مِنَ النُّفَاةِ، وَقَالَ: الْيَهُودُ أَئِمَّةُ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ، وَلَا ذَنْبَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ ; فَإِنَّهُمْ قَرَءُوا مَا فِي التَّوْرَاةِ، فَالَّذِي عَابَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ تَأْوِيلِ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ لَمْ يَعِبْهُمْ بِهِ الْمُعَطِّلَةُ بَلْ شَارَكُوهُمْ فِيهِ، وَالَّذِي اسْتَشْهَدَ اللَّهُ عَلَى نُبُوَّةِ رَسُولِهِ ﷺ بِهِ مِنْ مُوَافَقَةِ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ عَابُوهُمْ وَنَسَبُوهُمْ إِلَى التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ، وَهَذَا ضِدُّ مَا عَلَيْهِ الرَّسُولُ وَأَصْحَابُهُ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا ذَكَرُوا لَهُ شَيْئًا مِنْ هَذَا الَّذِي تُسَمِّيهِ الْمُعَطِّلَةُ تَجْسِيمًا وَتَشْبِيهًا صَدَّقَهُمْ عَلَيْهِ وَأَقَرَّهُمْ وَلَمْ يُنْكِرْهُ، كَمَا صَدَّقَهُمْ فِي خَبَرِ الْخَبَرِ الَّذِي ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَضَحِكَ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ ; وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ [الأنعام: ١١٥] فَمَا أَخْبَرَ بِهِ فَهُوَ صِدْقٌ وَمَا أَمَرَ بِهِ فَهُوَ عَدْلٌ.
وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَا فِي النُّصُوصِ مِنَ الْخَبَرِ فَهُوَ صِدْقٌ، عَلَيْنَا أَنْ نُصَدِّقَ بِهِ لَا نُعَارِضُهُ وَلَا نُعْرِضُ عَنْهُ، وَمَنْ عَارَضَهُ بِعَقْلِهِ لَمْ يُصَدِّقْ بِهِ، وَلَوْ صَدَّقَهُ تَصْدِيقًا مُجْمَلًا، وَلَمْ يُصَدِّقْهُ تَصْدِيقًا مُفَصَّلًا فِي أَعْيَانِ مَا أَخْبَرَ بِهِ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا، وَلَوْ أَقَرَّ بِلَفْظِهِ مَعَ جَحْدِ

1 / 168