Mukhtasar Sawaciq Mursala
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة
Investigator
سيد إبراهيم
Publisher
دار الحديث
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م
Publisher Location
القاهرة - مصر
Genres
وَقَدِ اعْتَذَرَ أَتْبَاعُ الشَّيْخِ أَبِي مُرَّةَ بِأَعْذَارٍ: مِنْهَا: أَنَّهُ لَمَّا تَعَارَضَ عِنْدَهُ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ قُدِّمَ الْعَقْلُ، وَمِنْهَا: أَنَّ الْخِطَابَ بِصِيغَةِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: ﴿اسْجُدُوا﴾ [البقرة: ٣٤] لَا عُمُومَ لَهُ، فَإِنَّ الضَّمَائِرَ لَيْسَتْ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ عَامًّا فَإِنَّهُ خَصَّهُ بِالْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ بَلْ حَمَلَهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، أَوْ عَلَى الرُّجْحَانِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى التَّرَاخِي وَلَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ صَانَ جَنَابَ الرَّبِّ أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِهِ، وَرَأَى أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ السُّجُودُ لِسِوَاهُ.
وَبِاللَّهِ تَأَمَّلْ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ، وَقَابِلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ كَثِيرٍ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي يَذْكُرُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَفِي بَنِي آدَمَ مَنْ يُصَوِّبُ رَأْيَ إِبْلِيسَ وَقِيَاسَهُ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَصَانِيفُ، وَكَانَ بَشَّارٌ ابْنُ الشَّاعِرِ الْأَعْمَى عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ، وَلِهَذَا يَقُولُ فِي قَصِيدَتِهِ:
الْأَرْضُ مُظْلِمَةٌ سَوْدَاءُ مُعْتِمَةٌ ... وَالنَّارُ مَعْبُودَةٌ مُذْ كَانَتِ النَّارُ
وَلَمَّا عَلِمَ الشَّيْخُ أَنَّهُ قَدْ أُصِيبَ مِنْ مُعَارَضَةِ الْوَحْيِ بِالْعَقْلِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ أَبْلَغُ فِي مُنَاقَضَةِ الْوَحْيِ وَالشَّرْعِ وَإِبْطَالِهِ مِنْ مُعَارَضَاتِهِ بِالْمَعْقُولِ أَوْحَى إِلَى تَلَامِيذِهِ وَإِخْوَانِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ الْخَيَالِيَّةِ مَا يُعَارِضُونَ بِهَا الْوَحْيَ، وَأَوْهَمَ أَصْحَابَهُ أَنَّهَا قَوَاطِعُ عَقْلِيَّةٌ، وَقَالَ: إِنْ قَدَّمْتُمُ النَّقْلَ عَلَيْهَا فَسَدَتْ عُقُولُكُمْ: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ١٢١]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ - وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ - أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ - وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ - وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ - إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [الأنعام: ١١٢ - ١١٧]
1 / 157