129

Mukhtaṣar al-Ṣawāʿiq al-Mursala ʿalā al-Jahmiyya waʾl-Muʿaṭṭila

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

Editor

سيد إبراهيم

Publisher

دار الحديث

Edition

الأولى

Publication Year

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

Publisher Location

القاهرة - مصر

Genres

وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ مُبْطِلٍ وَمُبْتَدِعٍ، يُلَقِّبُ الْحَقَّ وَأَهْلَهُ بِالْأَلْقَابِ الشَّنِيعَةِ الْمُنْفَرِدَةِ، فَإِذَا أَطْلَقُوا لَفَظَ الْجِسْمِ صَوَّرُوا فِي ذِهْنِ السَّامِعِ خَشَبَةً مِنَ الْخَشَبِ الْكَثِيفِ، أَوْ بَدَنًا لَهُ حَامِلٌ يَحْمِلُهُ، وَإِذَا قَالُوا: مُرَكَّبٌ صَوَّرُوا فِي ذِهْنِهِ أَجْزَاءً مُتَفَرِّقَةً فَرَكَّبَهَا، وَهَذَا حَقِيقَةُ الْمُرَكَّبِ لُغَةً وَعُرْفًا، وَإِذَا قَالُوا: يَلْزَمُ أَنْ تَحُلَّهُ الْحَوَادِثُ صَوَّرُوا فِي ذِهْنِهِ ذَاتًا تَنْزِلُ بِهِ الْأَعْرَاضَ النَّازِلَةَ بِالْمَخْلُوقِينَ كَمَا مَثَّلَ النَّبِيُّ ﷺ لِابْنِ آدَمَ أَمَلَهَ وَأَجَلَهُ وَالْأَعْرَاضَ جَانِبَهُ إِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا أَصَابَهُ هَذَا، وَإِذَا قَالُوا يَقُولُونَ بِالْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ صَوَّرُوا فِي الذِّهْنِ مَوْجُودًا بِالْأَحْيَازِ، وَإِذَا قَالُوا لَزِمَ الْحَيِّزُ صَوَّرُوا فِي الذِّهْنِ قَادِرًا ظَالِمًا يَجْبُرُ الْخَلْقَ عَلَى مَا لَا يُرِيدُونَ وَيُعَاقِبُهُمْ عَلَى مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَإِذَا قَالُوا: حَشْوِيَّةٌ، صَوَّرُوا فِي ذِهْنِ السَّامِعِ أَنَّهُمْ حَشَوْا فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَتَنْفِرُ الْقُلُوبُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْقَابِ.
وَلَوْ ذَكَرُوا حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ لَمَا قَبِلَتِ الْقُلُوبُ السَّلِيمَةُ وَالْفِطَرُ الْمُسْتَقِيمَةُ سِوَاهُ، فَكَيْفَ يَتْرُكُ الْحَقَّ لِأَسْمَاءٍ سَمَّوْهَا هُمْ وَأَسْلَافُهُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ، وَأَلْقَابٍ وَضَعُوهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ لَمْ يَأْتِ بِهَا سُنَّةٌ وَلَا قُرْآنٌ، وَشُبُهَاتٍ قَذَفَتْ بِهَا الْقُلُوبُ مَا اسْتَنَارَتْ بِنُورِ الْوَحْيِ وَلَا خَالَطَهَا بَشَاشَةُ الْإِيمَانِ، وَخَيَالَاتٍ هِيَ بِتَخَيُّلَاتِ الْمُمْرَدِينَ وَأَصْحَابِ الْهَوَسِ أَشْبَهُ مِنْهَا بِقَضَايَا الْعَقْلِ وَالْبُرْهَانِ، وَوَهْمَيَّاتٍ نِسْبَتُهَا إِلَى الْعَقْلِ الصَّحِيحِ كَنِسْبَةِ السَّرَابِ فِي الْأَبْصَارِ فِي الْقِيعَانِ، وَأَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ وَمَعَانٍ مُشْتَبِهَةٍ قَدْ لُبِّسَ فِيهَا الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ فَصَارَ ذَا خَفَاءٍ وَكِتْمَانٍ.
فَدَعُونَا مِنْ هَذِهِ الدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ الَّتِي لَا تُفِيدُ إِلَّا إِتْعَابَ الْإِنْسَانِ، وَكَثْرَةَ الْهَذَيَانِ وَحَاكِمْنَا إِلَى الْوَحْيِ وَالْقُرْآنِ، لَا إِلَى مَنْطِقِ يُونَانٍ، وَلَا إِلَى قَوْلِ فُلَانٍ وَرَأْيِ فُلَانٍ، كِتَابُ اللَّهِ لَيْسَ فَوْقَ بَيَانِهِ مَرْتَبَةٌ فِي الْبَيَانِ، وَهَذِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُطَابِقَةٌ لَهُ أَعْظَمَ مِنْ مُطَابَقَةِ الْبَيَانِ لِلِّسَانِ، وَهَذِهِ أَقْوَالُ أَعْقَلِ الْأُمَمِ بَعْدَهُ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، لَا يَخْتَلِفُ مِنْهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ اثْنَانِ، وَلَا يُوجَدُ عَنْهُمْ فِيهِ قَوْلَانِ مُتَنَافِيَانِ، بَلْ قَدْ تَتَابَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَعُلُوِّ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ، وَإِثْبَاتِ تَكَلُّمِهِ

1 / 144