61

Mukhtasar Kitab Al-I'tisam

مختصر كتاب الاعتصام

Publisher

دار الهجرة للنشر والتوزيع

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٨ هـ - ١٩٩٧ م

Genres

اللَّهِ ﷺ يَتهلَّل كأنَّه مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ من غير أنْ ينقص من أُجورهم شيٌ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شيءٌ» (١) . فَتَأَمَّلُوا أَيْنَ قَالَ رسول الله ﷺ من سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً؟ تَجِدُوا ذَلِكَ فِيمَنْ عَمِلَ بِمُقْتَضَى الْمَذْكُورِ عَلَى أَبْلَغِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ حَتَّى بِتِلْكَ الصُّرَّة، فَانْفَتَحَ بِسَبَبِهِ بَابُ الصَّدَقَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَبْلَغِ، فَسُرَّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى قَالَ: «مَن سنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً» الْحَدِيثَ، فَدَلَّ على أنَّ السُّنَّةَ ها هنا مِثْلُ مَا فَعَلَ ذَلِكَ الصَّحَابِيُّ وَهُوَ الْعَمَلُ، بما ثبت كونه سُنَّةً. (الثاني) أنَّ قَوْلَهُ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً» لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاخْتِرَاعِ مِنْ أَصْلٍ، لأنَّ كَوْنَهَا حَسَنَةً أَوْ سَيِّئَةً لَا يُعرف إِلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، لأنَّ التَّحْسِينَ وَالتَّقْبِيحَ (٢) مُخْتَصٌّ بِالشَّرْعِ، لَا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ فِيهِ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وإنَّما يَقُولُ بِهِ الْمُبْتَدِعَةُ -أَعْنِي التَّحْسِينَ وَالتَّقْبِيحَ بِالْعَقْلِ- فَلَزِمَ أنْ تَكُونَ السُّنَّةُ فِي الْحَدِيثِ إمَّا حَسَنَةً فِي الشَّرْعِ وإمَّا قَبِيحَةً بِالشَّرْعِ، فَلَا يَصْدُقُ إِلَّا عَلَى مِثْلِ الصَّدَقَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَمَا أَشْبَهَهَا مِنَ السُّنَنِ الْمَشْرُوعَةِ، وَتَبْقَى السُّنَّةُ السَّيِّئَةُ مُنَزَّلة عَلَى الْمَعَاصِي الَّتِي ثَبَتَ بِالشَّرْعِ كونها معاصي. وَعَلَى الْبِدَعِ لأنَّه قَدْ ثَبَتَ ذَمُّهَا وَالنَّهْيُ عنها بالشرع كما تقدم.

(١) رواه مسلم (١٠١٧) وغيره. (٢) أي عدُّ الشيء حسنًا أو قبيحًا، وموقف أهل السنة والجماعة: أن العقل يُدرك حُسن الحَسَن وقُبح القبيح من غير ترتيب ثوابٍ ولا عقاب عليه.

1 / 57