والربا قد حرمه الله تعالى في كتابه، ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ف سنته، وأجمع المسلمون على تحريمه، قال الله تبارك وتعالى: { وأحل الله البيع وحرم الربا } * وهو الزيادة في الحق، إذا كان عليه حق أجله عليه إلى أجل آخر، وأضعفه عليه، وهذا حرام، وليس له إلا رأس ماله، وقد قال الله تبارك وتعالى: { وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون } ، وحرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الربا وهو الزيادة والتفاضل في البيع، من جنس واحد إلى أجل، وذلك قوله - عليه السلام -: »الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، سواء بسواء، ومثلا بمثل، فمن زاد وازداد فقد أربى«* وقد اتفق الناس على أن هذه الأجناس محرمة بعضها ببعض، إلى أجل إلا مثلا* بمثل، واختلفوا فيها، إذا كانت يدا بيد، فأجاز أصحابنا ذلك، إذا كان يدا بيد، ولم يجز ذلك لأكثر من غيرهم، والصرف جائز عندهم أيضا، يدا بيد ومثلا بمثل وزيادة، ولا يجوز بتأخير، وحجتهم عن ابن عباس رحمه الله أنه أجاز ذلك يدا بيد، وتأول في خبر أن أسامة بن زيد سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فأجازه يدا بيد، ولا يجوز بتأخير للنهي الأول، والمخالفون لهم أجازوا البيع في الزيادة، إذا اختلف الجنسان، ولم يجيزوا التفاضل من جنس إلا مثلا بمثل، وذلك عن أصحابنا جائز بالنقد، ويدا بيد، ولا يجوز بتأخير، وجاء النهي في السنة، الأصناف المكيلة والموزونة، فكل ما يكال بما يكال، وما يوزن بما يوزن، لا يجوز بيعه بتأخير، ولا إلى أجل، إلا مثلا بمثل، وبيعه بنقد جائز، مثلا بمثل، وزيادة على ما اتفق عليه المتبايعان، فهذا أصل يشتمل على كل موزون ومكيل، وأصل آخر أن ما أنبتت الأرض بما أنبتت، لا يجوز واحد بمثله، إلا يدا بيد، ولا يجوز بتأخير ولا إلى أجل، إلا مثلا بمثل، لأن النهي قد وقع على ما أنبتت الأرض، ويشتمل على كل أصناف نبات الأرض، مما يقتات به ويدخر، وغير ذلك، ووجه آخر أن كل ما يكال من الطعام بما يكال من الطعام، لا يجوز بيعه بعضه ببعض، إلى أجل وزيادة، إلا مثلا بمثل، وجائز يدا بيد، بعضه ببعض، وزيادة على ما اتفقا عليه فهذا يشتمل على كل مكيل موزون، ومقتات وغير مقتات، وطعام وغير طعام، ونبات الأرض وغير نبات الأرض، ولا يجوز إلى أجل وزيادة، والنقد جائز فيه البيع بالزيادة، إلا الدراهم والدنانير، فإن بيع ذلك كله بها إلى أجل جائز، وبنقد وبتأخير، على ما اتفقا عليه، وقد جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه اشترى بعيرا ببعيرين، يدا بيد، فقد يجوز ذلك يدا بيد، ولا يجوز بتأخير، فقد صح أن الربا في الزيادة إلى أجل، وقد جاء في الحديث أنه اشترى جزورا بتمر، ويرى أن ذلك عنده فنظر فلم ير شيئا فطلب إلى البائع أن ينظره إلى الجداد فقال واغداره فافترض وقضاه فيجوز أن يكون هذا يخص به التأخير، لأنه ثمنه وليس هنالك زيادة يلحق فيه أن يكون ربا، وهو مما لم تنبت الأرض، وقد اختلفوا فيه وفي كل هذه الأشياء والله أعلم.
الباب السادس والسبعون
Page 163