مقدمة المحقق
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة حق وصدق، نسأل الله برها وبركتها، وأن يجعلها من خير وآخر أعمالنا.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد ...
فإن كتاب المكرر من أجل وأعظم كتب القراءات، لأنه يمتاز بأسلوب فريد في تنظيم مادته العلمية مع عدم التكرار والحشو، وقد لاحظت فيه عدم بدء مادته العلمية بالأصول كالإدغام، وهاء الكناية، والمد والقصر، والهمزتين، والإظهار، والراءات واللامات وغيرها، فقد بدأ مادته العلمية بالاستعاذة والبسملة ثم أخذ في فرش الحروف في كل سور القرآن، والعلة من ذلك أن كتب القراءات على تنوعها ملئت بالأصول فقد ترك ذلك وتعرض له أثناء الفرش دون أن يفرد له مكانا، وقد لاحظت أيضا أن الكتاب يتعرض للأوجه التي بين السور، وهذا في الكتب النادرة، رغم أن كثيرا من الأئمة قد كتب في الأوجه التي بين السور: كالحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي. والأستاذ أبي حفص عمر بن قاسم الأنصاري شيخ العلامة القسطلاني والأستاذ أمين الدين موسى والأستاذ أبي بكر المعروف بابن الجندي، وغيرهم من علماء القرون الوسطى. وتبعهم على ذلك من بعدهم من قرّاء الشرق والغرب، حتى أفرده بعضهم بالتأليف.
فلما وجدت أن الكتاب طبع منذ (٧٥) عاما أي في ١٩٣٥ م، ومادته العلمية جملة واحدة، فقد صح عزمي على تحرير نصه، وتنظيم مادته وتقسيمها إلى فقرات واضحة ليتم نشره ليعم الانتفاع به، وتوكلي في ذلك كله واعتمادي على الله، فهو نعم المولى ونعم النصير.
1 / 5
عملي في التحقيق للكتاب
١ - قمت- قبل الدخول في مادة الكتاب- بتقديم مبحثين من أهم المباحث وهما:
أ- الفرق بين القراءات والروايات والطرق، ونظم بعض العلماء في الطرق، مستندا في ذلك على بعض أمهات كتب القراءات.
ب- من أهم ما ألف في علم القراءات، وهو مقتبس من كتاب" كشف الظنون" لحاجي خليفة- ﵀.
٢ - نظمت مادة الكتاب العلمية في كل سورة نظاما دقيقا يحمل أرقاما مسلسلة من بداية السورة إلى آخرها في كل القرآن.
٣ - ذكرت اختلاف القراء السبعة حول بعض القراءات وراعيت في ذلك الاختصار.
٤ - أشرت إشارة دقيقة إلى عدد آيات كل سورة من أول القرآن إلى آخره، وذلك قبل الدخول في تحقيق مادة كل سورة.
٥ - ألحقت بالكتاب موجزا مختصرا خاصا بياءات الإضافة بالسورة، وقد حددت كل لفظ وقيد ذلك بذكر أرقام الآيات.
٦ - ألحقت بالكتاب أيضا فهرس عام يشمل الآتي:
أ- فهرس الكلمات والآيات المختلف في قراءتها وقد راعيت في معظمها قراءة حفص.
ب- فهرس ياءات الإضافة.
٧ - ألحقت بالكتاب صحيفة بأهم المراجع والمصادر التي تم الاعتماد عليها في تحرير مادة المكرر العلمية، ثم محتويات الكتاب مرتبا من أوله إلى آخره حسب ما ورد من كلام المؤلف، وكلام المباحث والفهارس الخاصة بي وأخيرا نأمل من كل مسلم يطلع على هذا الكتاب أن يتكرم علينا بدعوة صالحة خالصة لله رب العالمين والله المستعان، وله الحمد في الأولى والآخرة.
كتبت في مصر/ القاهرة في يوم الجمعة ٩ من المحرم ١٤٢٠ هـ ١٤ إبريل ٢٠٠٠ م أحمد محمود عبد السميع الشافعي الحفيان
1 / 6
نبذة عن مؤلف الكتاب
كتاب" المكرر فيما تواتر من القراءات السبع وتحرر" لأبي حفص عمرو ابن قاسم بن محمد المصري الأنصاري المشهور بالنشار المقرئ ذكر في البدور الزاهرة (١) أنه ألف هذا أولا في القراءات السبع، فاستحسنه وصنف ذاك ثانيا، وهو من علماء القرن التاسع الهجري. والنشار هو سراج الدين عمر بن القاسم ابن محمد بن علي الأنصاري الشهير بالنشار المقرئ.
من تصانيفه:" البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة"،" البدر المنير في شرح التيسير"،" طراز العلمين في حكم الاستفهامين"" العقد الجوهري في حل الغاز القرآن" للجزري،" القطر المصري في قراءة أبي عمرو وابن العلاء البصري"،" المكرر فيما تواتر من القراءات السبع وتحرر" (٢) هذه نبذة مختصرة عن مؤلف الكتاب فمن أراد ترجمة وافية فعليه بالنظر في أمهات كتب التراجم الخاصة بعلماء القرن التاسع الهجري ككتاب" الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع" للسخاوي- ﵀
_________
(١) انظر" كشف الظنون" ٢/ ١٨١٢.
(٢) انظر" كشف الظنون" ٥/ ٧٩٢
1 / 7
المبحث الأول
أ- الفرق بين القراءات والروايات والطرق (١) والخلاف الواجب والجائز
اعلم أن كل خلاف نسب لإمام من الأئمة العشرة مما أجمع عليه الرواة عنه فهو قراءة ... وكل ما نسب للراوي عن الإمام فهو رواية ...
وكل ما نسب للأخذ عن الراوي وإن سفل فهو طريق ...
مثل إثبات البسملة بين السورتين، فهو قراءة ابن كثير. ورواية قالون عن نافع، وطريق الأصبهاني عن ورش، وطريق صاحب الهادي عن أبي عمرو وهكذا ...
وهذا هو الخلاف والواجب، فهو عين القراءات والروايات والطرق، بمعنى أن القارئ ملزم بالإتيان بجميعها عند تلقى القراءة، فلو أخل بشيء منها عد ذلك نقصا في روايته.
وأما الخلاف الجائز: فهو خلاف الأوجه التي على سبيل التخيير كأوجه الوقف على عارض السكون، فالقارئ مخير في الإتيان بأي وجه منها، فلو أتى بوجه واحد منها أجزأه، ولا يعتبر ذلك نقصا في روايته.
وهذه الأوجه الاختيارية لا يقال لها قراءات ولا روايات، ولا طرق بل يقال لها أوجه دراية فقط.
_________
(١) انظر" المهذب في القراءات العشر" (١/ ٢٣).
1 / 8
ب- نظم أسماء القراء السبعة (١)
بقلم: الشيخ عبد الحميد بن محمد على قدس بن عبد القادر الخطيب، فتح عليه وكل طالب القريب المجيب،
مع روايتين من المشهورين لكل من أولئك الأعلام ومبينا كفالة هذا الكتاب العذب المستطاب بتوضيح ذلك المرام:
إذا رمت تعداد القرّاء لمحكم ... فهم سبعة يعطى مؤملهم قصدا
مناقبهم تاج على هامة السّها ... لها شرف مع شهرة تبرز المجدا
ففضلهمو بين البريّة ظاهر ... به استوجبوا الرّضوان والمنزل الفردا
وعنهم روى جمع ولكن شهرة ... لبعضهمو خصّت وأسدت لهم رفدا
وتوضيحهم في خير سفر مكرّرا (٢) ... يسمّى وقد ذقنا بطلعته شهدا
وها أنا أمليهم بشعر ميسّر ... لحفظهمو يروي الغليل لمن يصدى
فهاك نظاما واحدا بعد واحد ... مع اثنين ممّن حاز بالشّهرة السّعدا
وهم نافع من المدينة داره ... روى عنه قالون وورش الذي أهدى
كذا ابن كثير فخر مكّة قد روى ... له أحمد البزّي وقنبل من جدّا
ونجل العلا البصري أبو عمرو والذى ... له قد روى السّوسي والدّوري من أجدا
ومجد دمشق الشّام ذاك ابن عامر ... فعنه هشام وابن ذكوان قد أسدى
وعاصم الكوفي من عنه شعبة ... روى ثمّ حفص من حوى الفضل والرّشدا
وحمزة الكوفي خلّاد قد روى ... له خلف البزّار مثلا قد انعدّا
كذاك الكسائي الّذي قد روى ... أبو الحارث المقدام والدّوري من عدا
وتمّ الّذي قد رمت من نظم سادة ... فجد بالدّعا للقدسي كي يبلغ القصدا
وصلى إلهي كلّ حين مسلّما ... على أحمد من للمكارم قد أبدا
وآل وصحأب ثمّ اتّباعهم هدى ... ولا سيّما القرّاء من لازموا الزّهدا
_________
(١) هذا النظم ورد في أول صفحة من المكرر قبل مقدمة المؤلف وقد نقلته هنا مراعاة للترتيب والتنسيق بين المبحثين.
(٢) قول الناظم:" في خير سفر مكررا" إشارة إلى عنوان الكتاب وهو المكرر الذي بين أيدينا.
1 / 9
تم بذلك نظم القراء السبعة ورواتهم، وبلدانهم، ويليه إن شاء الله تعالى- نظم بعض العلماء الطرق التي عدها البعض وقال: إنها تصل إلى ثمانين طريقة.
وهذه الطرق المذكورة في كتب القراءات تفرع عنها طرق بلغت ٩٨٠ تسعمائة وثمانين طريقا فصّلها كتاب النشر في القراءات العشر لابن الجزري- ﵀.
1 / 10
ج- نظم بعض العلماء الطرق المذكورة في القراءات
سبق أن أشرت أن ابن الجوزي قد فصل الطرق، وأشار إليها في الطيبة بقوله:
وهذه الرواة عنهم طرق ... أصحها في نشرنا يحقق
باثنين في اثنين وإلا أربع ... فهي زها ألف طريق تجمع
وقد نظم بعض العلماء هذه الطرق فقال:
حمدت إلهي مع صلاتي مسلما ... على المصطفى والآل والصحب والولا
وبعد فخذ طرق الرواة لعشرهم ... كما جاء في التقريب درا مفصلا
فقالون جا عنه أب لنشيطهم ... فعنه ابن بويان وقزازهم ولا
وثانيهما الحلوان خذ عنه جعفرا ... ونجل أبي مهران وافهم لتفضلا
والأزرق عن ورش فنحاسهم له ... كذاك ابن سيف كان عدلا مبجلا
وعن الأصبهاني نجل جعفرهم أتي ... ومطوعي فاحفظ وكن متأملا
وعن أحمد البزي أب لربيعة ... له ابن بنان ثم نقاشهم تلا
ونجل حباب عنه نجل لصالح ... كذاك عبد الواحد الحبر نق
وعن قنبل فابن المجاهد قد روى ... وصالحهم والسامري منه نولا
وقل لابن شنبوذ أتى من طريقه ... أبو الفرج القاضي مع الشطوي كلا
لدور أبو الزعرا فعنه المعدل ... وثان له فابن المجاهد قد خلا
وثان لدور فابن فرح وعنه خذ ... مطوعي مع زيد الحبر تكملا
وسوسيهم قد جاءه ابن جرير هم ... له ابن حسين وابن حبش تسبلا
وقل لابن جمهور الشذائي أحمد ... مع الشنبوذي المفضل في العلا
هشام له الحلواني قد جاء راويا ... وعنه ابن عبدان وجمالهم تلا
وثانيهما الداجون عنه وقد أتى ... طريقا لزيد والشذائي على الولا
والأخفش عن نجل لذكوان خصه ... بنقاشهم ثم ابن الأخرم يعتلا
فعنه ابن حمدون ثم شعيبهم ... يحيى العليمي عنه رزاز نقلا
لعمر روى زرعان والفيل يا فتى ... وعن خلف طرق لإدريس ذي العلا
1 / 11
فعنه ابن عثمان يليه ابن صالح ... فمطوعي ثم ابن مقسمهم على
لخلاد الوزان زرعان والفيل يا فتى ... فطلحيهم ثم ابن شاذان كملا
وعن ليثهم نجل ليحيي وعنه ... قنطري وبطن أذاعا عن الملا
وثان عن الليث ابن عاصم اعلمن ... له ثعلب ابن الفرح فتقبلا
ودور روى عنه النصيبي جعفر ... له ابن الجلندا وابن ديزونة كلا
وثان عن الدوري الضرير وعنه قد ... روى ابن أبي هاشم وأحمد يافلا
وعيسى له الفضل ابن شاذان ناقل ... له ابن شبيب وابن هارون نقلا
كذا هبة الله ابن جعفرهم أتى ... له الفاضل الحمام والحنبلى كلا
سليمان عنه الهاشمي وقد روى ... له ابن رزين ثم الأزرق وصلا
عن الحافظ الدروي يروي ابن نهشل ... كذا ولد النفاح كن عنه سائلا
رويس له التمار عنه ابن مقسم ... أبو الطيب النخاس والجوهري كلا
وروح روى عنه ابن وهب وعنه قد ... روى حمزة البصري معدلهم ولا
وقل للزبيري نجل حبشان جاء مع ... غلام ابن شنبوذ بنقل تنقلا
لإسحاق يروي نجله وأبو الحسن ... ألا وهو البرصاط كن متأملا
كذا عن إسحاق نجل أبي عمر ... له السوسنجردي وبكر روى كلا
لإدريس الشط ومطوعيهم ... كذاك القطيعي وابن بويان كملا
1 / 12
المبحث الثاني:
من أهم ما ألف في علم القراءات
من المعلوم أن أول من نظم كتابا في القراءات السبع الحسين بن عثمان ابن ثابت البغدادي الضرير ولد أعمى ومات سنة ٣٧٨ ذكره ابن الجزري (١).
وإليك أهم المؤلفات في علم القراءات:
أ- إبراز المعاني من حرز الأماني شرح الشاطبية لابن شامة.
- أحكام القراءات.
- الاختيار في العشر.
- الإشارة المبتدى في العشر.
- إرشاد الواسطي.
- الإرشادة في العشر.
- اعشار القرآن.
- الاقناع في السبعة.
- الاكتفاء.
- الأنوار الباهرات.
ب- البدور الزاهرة في العشر.
البستاني في الثلاث عشرة.
ت- تبصرة المبتدي في السبع للطبري- التبصرة في السبع لسبط الخياط- التيسير في السبع.
- التهذيب.
_________
(١) انظر كتاب" كشف الظنون" عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة ط: دار الفكر ٢/ ١٣١٧ وقد اخترت بعض الكتب المؤلفة فمن أراد أن يستزيد فعليه بالكتاب المذكور ففيه المطلوب إن شاء الله والله أعلم.
1 / 13
ج- جامع البيان للداني.
- جامع البيان للطبراني.
- جامع الفوائد شرح الشاطبية.
ح- الخيّرة.
د- الدالية في العشر.
- الدرة الفريدة شرح الشاطبية لمنتجب الدين الدرة المضيئة.
ر- روضة التقرير.
- روضة الأزهار نظم الإرشاد الروضة للشريف المعدل.
س- سراج القاري شرح الشاطبية.
سوق العروس في العشر.
ش- الشافي.
- الشامل في العشر.
- الشمعة في السبعة نظم شعلة.
ص- الصيرفي في شرح الشاطبي.
ط- طيبة النشر في العشر ألفية للجزري وشرحه.
ع- عقد اللآلي في السبع العوالي نظم.
العنوان في السبعة.
غ- غاية الاختصار في العشرة.
- غاية المهرة في الزيادة على العشرة.
ف- فتح الوصيد شرح الشاطبية للسخاوي.
- فنون الإفتاء.
- فوائد القرآن.
ق- القاصد.
1 / 14
القطر المصري في قراءة أبي عمرو البصري.
ك- الكافي في السبع.
- كتاب السبعة لابن مجاهد.
ل- لطائف الإشارات.
م- المبهج في الإحدى عشرة لابن سهوار.
- وفي الثمان لسبط الخياط.
- المصباح الزاهر.
- المستنير في العشر.
- مفردات السبعة.
- المهذب في العشر.
والواضح.
- الواضحة في تجويد الفاتحة.
- الوجيز في الثمان.
هـ- الهادي في السبع.
- الهداية في السبعة للواسطي.
1 / 15
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
يقول الشيخ الإمام العالم العلامة المحقق المدقق بقية السلف الحافظين، عمدة الخلف اللافظين منهاج المريدين، حاوي زبد المتقين، روضة الطالبين، منبه الغافلين، الراجي عفو ربه الكريم الغفار (سراج الدين أبو حفص عمر بن قاسم ابن محمد الأنصاري المقرئ المصري النشار) رحمه الله تعالى ونفعنا والمسلمين ببركاته وعلومه آمين.
الحمد لله حق حمده، وصلاته وسلامه على محمد خير خلقه ورضي الله عن أصحابه أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: فقد سألني بعض أصدقائي ومن هو من إخواني في الله وأحبائي أن أجمع له كتابا في القراءات السبع المتواترة التي لا يتوجه عليها المنع وأن أذكر ما لكل شيخ أو راو من الخلاف، وإن تكرر فبالذكر قد أخبر الله تعالى أن القرآن العظيم تيسر، إلا أن يكون الخلاف مما يكثر دوره كالمد والقصر والإدغام الكبير لأبي عمرو، وصلة ميم الجمع لابن كثير وقالون وهاء الكناية لابن كثير والنقل لورش، وترقيق الراءات له، وتغليظ اللامات له والسكت لحمزة وعدم الغنة لخلف، والفتح والإمالة وبين اللفظين وأحكام النون الساكنة والتنوين، ووقف حمزة وهشام على الهمز، ووقف الكسائي على هاء التأنيث، وما أشبه ذلك، فيكفي فيه أولا ما يذكر.
فأجبته إلى ذلك وأحببت أن أضيف إليه ما بين كل سورتين من الوجوه المضروبة بالعدد المعتبر، وما في الوقف على المد العارض مما اتفق عليه أهل الخبر والنظر، وكيف يقف عليه حمزة وهشام إلي غير ذلك من الأحكام وأن يكون
1 / 16
ذلك مختصرا (١)، من غير توجيه لا إعراب فإن أهل هذا العلم أطنبوا في ذلك غاية الإطناب وأوسعوا في ذلك اتساعا كثيرا، فمن احتاج إلى شيء من ذلك فعليه بالنظر في شروح الشاطبية وغيرها، فإن العسير يصير يسيرا، وسميته:
المكرر: فيما تواتر من القراءات السبع وتحرر وأنا أسأل الله ﷾ أن يعينني على ذلك وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به أهل عصره ومن يأتي من بعده من أهل هذا الشأن العظيم.
_________
(١) يقصد المؤلف- ﵀ عليه- بقوله: «وأن يكون ذلك مختصرا» أي على وجه الاختصار ولو أنه أفرد الكلام في ذلك لاحتجنا إلى أكثر من مجلدة ضخمة، وقد راعيت ذلك في التحقيق أيضا.
1 / 17
باب: أسماء القراء السبعة ورواتهم المشهورين، وأسانيدهم، وبلادهم، وميلادهم، ووفاتهم رحمة الله عليهم أجمعين
١ - فأولهم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي:
قرأ على سبعين من التابعين، منهم: أبو جعفر، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، ومسلم بن جندب، فقرأ الأعرج على عبد الله بن عباس وأبي هريرة وقرأ ابن عباس وأبو هريرة علي أبي بن كعب وقرأ أبي ﵁ على رسول الله- ﷺ.
وتوفي نافع سنة تسع وستين ومائة على الصحيح ومولده في حدود سنة سبعين من الهجرة النبوية وأصله من أصبهان وكان أسود اللون حالكا وكان إمام الناس في القراءة بالمدينة، انتهت إليه رئاسة الإقراء بها، وأجمع الناس عليه بعد التابعين، أقرأ بها أكثر من سبعين سنة.
قال سعيد بن منصور: سمعت مالك بن أنس يقول: قراءة أهل المدينة سنة، قيل له: قراءة نافع؟ قال: نعم، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي أي القراءات أحب إليك؟ قال: قراءة أهل المدينة. قلت: فإن لم تكن قال قراءة عاصم، وكان نافع إذا تكلم يشم من فيه رائحة المسك، فقيل له: أتتطيب؟
قال: لا ولكن رأيت فيما يرى النائم النبي- ﷺ وهو يقرأ في فيّ هذه الرائحة.
وراوياه: قالون، وورش:
أ- فقالون: (١) هو أبو موسى عيسى بن مينا، توفي سنة عشرين ومائتين على الصواب،
_________
(١) ذكرت أسماء القراء، وأشرت لذلك بالأرقام وذكرت أسماء الرواة مشارا إليهم بالحروف ليتميز القارئ من الراوي، وليعلم القارئ أن لكل قارئ راويان.
1 / 18
ومولده سنة عشرين ومائة.
وقرأ على نافع سنة خمسين، واختص به كثيرا فيقال: إنه كان ابن زوجته وهو الذي لقبه قالون لجودة قراءته، فإن قالون بلغة الروم جيد، وكان قالون قارئ المدينة ونحويها وكان أصم لا يسمع البوق، فإذا اقرئ عليه القرآن يسمعه.
وقال: قرأت على نافع قراءته غير مرة وكتبتها عنه، وقال: قال لي نافع:
كم تقرأ علىّ اجلس إلى أسطوانة حتى أرسل إليك من يقرأ عليك.
ب- وورش:
هو عثمان بن سعيد المصري وكنيته أبو سعيد وقيل: أبو عمرو، وقيل:
أبو القاسم، وورش لقب له.
توفي بمصر سنة سبع وتسعين ومائة ومولده سنة عشر ومائة.
رحل إلى المدينة ليقرأ على نافع، فقرأ عليه ختمان في سنة خمس وخمسين ومائة ورجع إلى مصر فانتهت إليه رئاسة الإقراء بها فلم ينازعه فيها منازع مع براعته في اللغة العربية ومعرفته بالتجويد، وكان حسن الصوت.
قال يونس بن عبد الأعلى: كان ورش جيد القراءة حسن الصوت يهمز ويمدّ ويشدّد ويبين الإعراب لا يمله سامعه.
٢ - والثاني ابن كثير
: هو أبو معبد عبد الله بن كثير بن عمرو بن زاذان قرأ على أبي السائب عبد الله بن السائب بن أبي السائب المخزومي.
وقرأ عبد الله بن السائب على أبي بن كعب وعمر بن الخطاب وقرأ أبي وعمر ﵄ على رسول الله- ﷺ.
وتوفي ابن كثير سنة عشرين ومائة بغير شك، ومولده سنة خمس وأربعين.
وكان أعلم الناس في القراءة بمكة ولم ينازعه فيها منازع، وكان فصيحا بليغا أبيض اللحية طويلا أسمر جسيما أشمل عليه السكينة والوقار، لقى من الصحابة عبد الله وأبا أيوب الأنصاري، وأنس بن مالك ﵃.
1 / 19
وراوياه عن أصحابه هما: البزي، وقنبل:
أ- فالبزي:
هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم مؤذن المسجد الحرام وإمامه ومقرئه وكنيته أبو الحسن.
قرأ على عكرمة بن سليمان المكي، وقرأ عكرمة على شبل، وقرأ شبل على ابن كثير.
وتوفي البزي سنة خمسين ومائتين، ومولده سنة سبعين ومائة.
وكان إماما في القراءة محققا ضابطا متقنا لها ثقة، انتهت إليه مشيخة الإقراء بمكة.
ب- وقنبل:
هو محمد بن عبد الرحمن بن محمد المخزومي، وكنيته أبو عمرو، وقنبل لقب له.
قرأ على أبي الحسن أحمد القواس، وقرأ القواس على أبي الإخريط وقرأ أبو الإخريط على القسط، وأخبر أنه قرأ على شبل، وقرأ شبل على ابن كثير.
وتوفي سنة إحدى وتسعين ومائتين، ومولده سنة خمس وتسعين ومائة.
وكان إماما في القراءة متقنا ضابطا انتهت إليه مشيخة الإقراء بالحجاز، ورحل إليه الناس من الأقطار.
٣ - الثالث أبو عمرو
: هو زبان بن العلاء بن عمار، قرأ على جماعة منهم: أبو جعفر يزيد بن القعقاع والحسن البصري.
وقرأ الحسن على حطان وأبي العالية، وقرأ أبو العالية على عمر بن الخطاب وأبي بن كعب.
1 / 20
وكان أبو عمرو أعلم الناس بالقرآن والعربية مع الصدق والثقة والأمانة والدين مرّ الحسن به وحلقته متوافرة والناس عكوف عليه، فقال: لا إله إلا الله لقد كادت العلماء أن يكونوا أربابا كل عزّ لم يؤكد بعلم فإلى ذل يئول.
روى عن سفيان بن عيينة أنه قال: (رأيت رسول الله- ﷺ في المنام، فقال يا رسول الله- ﷺ قد اختلفت عليّ القراءات، فبقراءة من تأمرني أن أقرأ؟ فقال: بقراءة أبي عمرو بن العلاء).
وتوفي أبو عمرو في قول الأكثرين سنة أربع وخمسين ومائة، وقيل غير ذلك، ومولده سنة ثمان وستين وقيل: سنة سبعين.
وراوياه: الدوري، والسوسي عن اليزيدي عنه:
أ- فالدوري:
هو أبو عمر حفص بن عمر المقرئ الضرير، ونسبته إلى الدور موضع ببغداد بالجانب الشرقي. وكان إمام القراءة في عصره وشيخ الإقراء في وقته ثقة ضابطا كبيرا، وهو أوّل من جمع القراءات. وتوفّي في شوّال سنة ست وأربعين ومائتين على الصواب.
ب- والسوسي:
هو أبو شعيب صالح بن زياد، ونسبته إلى السوس موضع بالأهواز. وكان مقرئا ثقة ضابطا من أجل أصحاب اليزيدي. وتوفي سنة إحدى وستين ومائتين وقد قارب التسعين.
٤ - الرابع ابن عامر
: هو عبد الله بن عامر اليحصبي، ويحصب فخذ من حمير وكنيته أبو نعيم، وقيل: أبو عمران، وقيل غير ذلك. إمام مسجد دمشق وقاضيها تابعي لقى واثلة بن الأسقع ونعمان بن بشير.
وقال يحيي بن الحارث الذماري: إنه قرأ على عثمان ﵁، وقرأ عثمان على رسول الله- ﷺ. وتوفي بدمشق يوم عاشوراء سنة
1 / 21
ثماني عشرة ومائة ومولده سنة إحدى وعشرين، وقيل غير ذلك. وكان إمام المسلمين بالجامع الأموي في أيام عمر بن عبد العزيز وبعده، وكان يأتمّ به وهو أمير المؤمنين، وناهيك بذلك منقبة، وجمع له بين الإمامة والقضاء ومشيخة الإقراء بدمشق ودمشق (١) إذ ذاك دار الخلافة ومحطّ رحال العلماء والتابعين.
وراوياه عن أصحابه هما: هشام، وابن ذكوان:
أ- فهشام:
هو ابن عمار بن نصير السلمي القاضي الدمشقي وكنيته أبو الوليد أخذ قراءة ابن عامر عرضا عن عراك بن خالد المزي عن يحيى بن الحارث الذماري عن ابن عامر. وكان عالم أهل دمشق وخطيبهم، قال ابن عبدان سمعته يقول: ما أعدت خطبة منذ عشرين سنة، وكان مفتيهم ومقرئهم ومحدثهم مع الثقة والضبط. وتوفي سنة خمس وأربعين ومائتين، ومولده سنة ثلاث وخمسين ومائة.
ب- وابن ذكوان:
هو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان القرشي الدمشقي، وكنيته أبو عمرو. أخذ قراءة ابن عامر عن أيوب بن تميم التميمي عن يحيى بن الحارث الذماري عن ابن عامر، انتهت إليه مشيخة الإقراء بعد أيوب بن تميم.
قال أبو زرعة الحافظ الدمشقي: لم يكن بالعراق ولا بالحجاز ولا بالشام ولا بمصر لا بخرسان في زمان ابن ذكوان أقرأ عنده منه. وتوفي في شوّال سنة اثنتين وأربعين ومائتين على الصواب، مولده يوم عاشوراء سنة ثلاث وسبعين ومائة.
٥ - الخامس: عاصم
: هو أبو بكر عاصم بن أبي النجود بن بهدلة مولى بني خزيمة بن مالك بن النضر، والنجود بفتح النون وضم الجيم، وهو مأخوذ من: نجدت الثياب إذا
_________
(١) قال الشاطبي في مقدمة الشاطبية:
وأمّا دمشق الشام دار ابن عامر ... فتلك بعبد الله طابت محللا.
1 / 22
سوّيت بعضها فوق بعض.
أخذ القراءة عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي وقرأ أبو عبد الرحمن على عثمان ومنه تعلم القرآن، وعلى عليّ بن أبي طالب وأبيّ بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وزيد ابن ثابت ﵃، وكان عاصم قد جمع بين الفصاحة والإتقان والتحرير والتجويد وكان أحسن الناس صوتا بالقرآن.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن عاصم فقال: رجل صالح ثقة، وقال ابن عياش دخلت على عاصم وقد احتضر فجعل يردد هذه الآية:
ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ. وتوفي آخر سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل: سنة ثمان وعشرين ولا اعتبار بقول من قال غير ذلك.
وراوياه: أبو بكر شعبة، وحفص:
أ- فشعبة:
هو أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي واسمه شعبة وقيل: محمد وقيل:
مطرف. وتوفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة، ومولده سنة خمس وتسعين. وكان إماما عالما كبيرا، ولما حضرته الوفاة بكت أخته، فقال لها: ما يبكيك انظري إلى تلك الزاوية، فقد ختمت فيها ثمانية عشر ألف ختمة.
ب- وحفص:
هو أبو عمر حفص بن سليمان بن المغيرة البزاز، وكان يعرف بحفص.
وتعلم القرآن من عاصم خمسا خمسا كما يتعلمه الصبيّ من المعلم، وكان عالما عاملا أعلم أصحاب عاصم بقراءة عاصم، وكان ربيب عاصم ابن زوجته.
قال يحيى بن معين: الرواية الصحيحة التي رويت من قراءة عاصم رواية حفص. وتوفي سنة ثمانين ومائة على الصحيح ومولده سنة تسعين.
٦ - السادس: حمزة
: هو حمزة بن حبيب بن عمارة الزيات التميمي مولى عكرمة بن ربعي التيمي وكنيته أبو عمارة. قرأ على أبي محمد سليمان بن مهران الأعمش، وقرأ
1 / 23
الأعمش على أبي محمد يحيى بن وثاب الأسدي، وقرأ يحيى على أبي شبل علقمة ابن قيس، وقرأ علقمة على عبد الله بن مسعود، وقرأ بن مسعود على رسول الله- ﷺ. وتوفي حمزة سنة ست وخمسين ومائة على الصواب، ومولده سنة ثمانين.
وكان إمام الناس في القراءة بالكوفة بعد عاصم والأعمش، وكان ثقة كبيرا حجة قيما بكتاب الله مجودا له عارفا بالفرائض والعربية حافظا للحديث ورعا عابدا خاشعا ناسكا زاهدا قانتا لله تعالى لم يكن له نظير، وكان يجلب الزيت من العراق إلى حلوان، ويجلب الجبن والجوز منها إلى الكوفة.
قال الإمام أبو حنيفة ﵀ لحمزة: شيئان غلبتنا عليهما لسنا ننازعك فيهما: القرآن والفرائض. وكان شيخه الأعمش إذا رآه يقول هذا حبر القرآن، وقال حمزة: ما قرأت حرفا من كتاب الله إلا بأثر.
وراوياه: خلف، وخلاد عن سليم عنه:
أ- فخلف:
هو أبو محمد خلف بن هشام بن طالب البزار. وتوفي في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين ومائتين، ومولده سنة خمسين ومائة. وحفظ القرآن وهو ابن عشر سنين وابتدأ في طلب العلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وكان إماما كبيرا عالما ثقة زاهدا عابدا.
ب- وخلّاد
: هو أبو عيسى خلّاد بن خالد الصيرفي. توفي سنة عشرين ومائتين. وكان إماما في القراءة ثقة عارفا محققا مجودا.
قال الداني: هو أضبط أصحاب سليم وأجلهم.
٧ - السابع: الكسائي
: هو أبو الحسن على بن حمزة الكسائي النحوي من أولاد الفرس من سواد العراق.
1 / 24