180

Mujaz

الموجز لأبي عمار عبد الكافي تخريج عميرة

Genres

وإن هم سألونا فقالوا: ما تنكرون أن يكون الله جل جلاله وله القدرة على جميع الأشياء، قد حول أبصار أوليائه عن معناها في المعاد، فيكون الله مدركا بها؟ قلنا: لا يعدوه هذا الذي سألتم عنه وجهين لا ثالث لهما: أما أن يكون الله جل جلاله قد غير الأبصار عن معناها، وحولها عن صفاتها، فتكون الأبصار حينئذ ليست أبصارا، فإذا تحولت الأبصار على هذا الوجه، وصارت غير أبصار بطل عنها الوصف بأنها ترى وتبصر، فإذا بطل عنها أن ترى وتبصر بطل ما ذهبتم إليه من الرؤية والدرك، وأنتم إنما أردتم بسؤالكم هذا إثبات الرؤية (¬1) ، فإنا نراكم أبطلتموها بالذي أردتم إثباتها بها، أو تكونوا تذهبون إلى أن يكون الله جل جلاله هو الذي يتغير في ذاته، ويتحول في صفته، فيصير لونا من الألوان، وشخصا من الأشخاص، فيكون مدركا بالأبصار، مشاهدا بالعيان، فإن كنتم إلى هذا الوجه تذهبون أن يتحول الباري جل جلاله عن صفة القديم (¬2)

¬__________

(¬1) الرؤية إذا أضيفت إلى الأعيان كانت بالبصر، وقد يراد بها العلم مجازا بالقرينة، ومنه قوله تعالى: {ألم تر إلى ربك}، وقوله عليه الصلاة والسلام: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"، وكذا يراد بها الكينونة عند الإضافة إلى مكان لتعارف الناس، ومنه قول الأعمى (رأينا الهلال بالكوفة)، والرؤية بالحاسة نحو {لترون الجحيم}، وبما يجري مجرى الرؤية نحو {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}، وبالوهم والتخييل نحو {إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة}، وبالعكس نحو: {إني أرى ما لا ترون}.

(¬2) القديم في اللغة: ما مضى على وجوده زمان طويل، ويطلق في الفلسفة العربية على الموجود الذي ليس لوجوده ابتداء، ويرادفه الأول. قال ابن سينا: "يقال قديم للشيء إما بحسب ذاته، وإما بحسب الزمان، فالقديم بحسب الذات هو الذي ليس لذاته مبدأ هي به موجودة، والقديم بحسب الزمان هو الذي لا أول لزمانه". راجع النجاه 355.

والقديم بحسب الذات هو الذي له مبدأ يتعلق به، وهو الواحد الحق (رسالة الحدود 102). راجع المعجم الفلسفي 2: 188.

Page 180