وخلفه ابنه يوشافاط وعمره خمس وثلاثون سنة، وسلك في طرق داود جده وأرسل معلمين وتسعة من اللاويين وكاهنين يعلمون الشعب، ويحضونه على العمل بسنن الله ومعهم توراة الرب يقرءون بها ويفسرونها للشعب، وقدم له التقادم والهدايا لا رعيته فقط بل الفلسطينيون والعرب أيضا، ولم يعب يوشافاط إلا بمصاهرته أخاب ملك إسرائيل؛ لأنه اتخذ عثليا بنته زوجة لابنه يورام، وكان غرض هذا الملك الصالح من ذلك أن يرد أخاب إلى طريق الرب، فكان عكس ما آمل لما تراه من شر عثليا، وخرج الموآبيون والعمونيون والأدوميون على يوشافاط في آخر سني ملكه، فنصره الرب، وقضى أجل يوشافاط بعد أن ملك خمسا وعشرين سنة ودفن في مدينة داود. (5)
وخلفه ابنه يورام وملك في يهوذا سنة في أيام أبيه وسبع سنين بعده، وكان متزوجا بعثليا بنت أخاب كما مر فسار في طريق بيت أخاب وصنع السوء، ومن الأحداث الهامة في أيامه خروج الأدوميين من سيادة ملك يهوذا، بعد أن كانوا من أيام داود يؤدونهم الجزية والخراج، ومن فظائع هذا الملك أنه قتل إخوته الستة عن آخرهم منقادا إلى ذلك لمشورة امرأته عثليا، وقد أثار الرب عليه الفلسطينيين والعرب، وزحفوا إلى مملكة يهوذا فافتتحوا مدنها وانتهبوا كل ما وجد من المال في بيت المال، ولكنهم لم يثبتوا في اليهودية، بل قفلوا إلى بلادهم، وضرب الرب يورام بداء عضال في أمعائه، وقضى سنتين في آلامه ومات غير مأسوف عليه ولم يدفن في مقبرة الملوك. (6)
وخلفه ابنه أحزيا وكان عمره اثنتين وعشرين سنة، وملك سنة واحدة وكانت أمه عثليا تدبره، فاستسار في طريق بيت أخاب وكانت من سنة ملكه الحرب بين حزائيل ملك دمشق، وبين يورام خاله، وخرج أحزيا معه للقتال ولما انكسرا وأمر الرب بمسح ياهو ملكا على إسرائيل خرج أحزيا للقائه، ولما رأى ياهو يقتل يورام خاله فر أحزيا فأمر ياهو أن يرموه، فجرح واستمر هاربا إلى مجدو (اللجون)، فمات هناك وحملوه فدفنوه في مدينة داود. (7)
عثليا: لما رأت أن ابنها قد مات أهلكت جميع النسل الملكي؛ لتستبد هي في الملك، لكن أخذت يوشباع أخت أحزيا يواش ابن أخيها هو ومرضعا له وأخفته في مخدع، حيث كان ينام الكهنة في جانب الهيكل، وملكت عثليا ست سنين لا تدري أن يواش حي، ولما كانت السنة السابعة استدعى يواداع رئيس الأحبار رؤساء الجنود، وأراهم يواش ابن الملك، واستحلفهم أن يكتموا السر، وأرسل بعض اللاويين يؤهبون الشعب لتمليكه، ويضربون لهم موعدا للاجتماع في أورشليم، ولما اجتمعوا أتى بيواش ومسحه، ووضع التاج على رأسه فصفق كل الشعب، وهتفوا ليحيى الملك، وسمعت عثليا فمزقت ثيابها غيظا وكمدا، فأمر رئيس الأحبار أن يخرجوها خارج الصفوف، فأخرجوها وقتلوها ودخل الشعب بيت البعل الذي في أورشليم فهدموه، وكان يواداع مدبرا للملك إلى أن شب يواش. (8)
ملك يواش وعمره سبع سنين، واستمر على منصة الملك أربعين سنة، وأحسن المسعى كل الأيام التي كان فيها رئيس الأحبار يرشده، وتبدلت حاله بعد موته؛ لأنه كان واهنا ضعيف العزيمة، وأقبل عليه بعض الأشرار يغرونه بعبادة الأصنام فمالأهم، ولم تمض سنة إلا وخرج حزائيل ملك دمشق على مملكة يهوذا، فقتل وضرب وهم أن يفتتح أورشليم، فسولت ليواش جبانته أن يأخذ كل نفيس في خزائن الهيكل ودار الملك، وأن يرسله جزية إلى حزائيل فانصرف عن أورشليم، وأرسل في السنة التالية عسكرا لأخذ الجزية فجيش يواش عسكرا ينيف أضعافا على عسكر حزائيل، فانكسر جيش ملك يهوذا أمام أولئك القلائل الذين دخلوا أورشليم، وقتلوا بعض أكابر يهوذا وأخذوه غنائم كبيرة، فلم يحتمل عبيد يواش هذا وتحالفوا عليه وقتلوه، ولم يدفنوه في مقابر الملوك. (9)
أمصيا بن يواش: ملك في أورشليم وعمره خمس وعشرون سنة، واستمر على منصة الملك تسعا وعشرين سنة، وقتل قاتلي أبيه وعفا عن أولادهم، وقد أزمع أن يخضع الأدوميين لسلطته بعد أن كانوا نبذوا سلطة يهوذا في عهد يورام، فحشد جيشا إلى بلاد أدوم، فقتل أمصيا منهم عشرة آلاف رجل وأسر عشرة آلاف، ثم طرحهم من أعلى صخرة فتحطموا وعاد ظافرا، وأحضر معه تماثيل آلهة الأدوميين وسجد لها فسخط الرب عليه وأرسل إليه نبيا يؤنبه فازدجر النبي وهدده، وأرسل إلى يواش ملك إسرائيل يحرشه للقتال، فصعد عليه ملك إسرائيل فكانت بينهما حرب أفضت إلى مذلة أمصيا وشعبه، وافتتاح يواش أورشليم ونهبها، وأمسى أمصيا خاملا، وتحالف عليه بعض رجاله فهرب إلى لاكيش (أم القيس الآن)، فأرسل المتحالفون رجالا في أثره فقتلوه، وحمل إلى أورشليم فدفن مع آبائه في مدينة داود. (10)
عزريا بن أمصيا: أخذه الشعب بعد مقتل أبيه، وملكوه وعمره ست عشرة سنة، واستمر على منصة الملك اثنتين وخمسين سنة، وحافظ عزريا أولا على سنة الرب، لكنه لم يزل المشارف وحارب الفلسطينيين واستظهر عليهم، وهدم سورجت (ذكرين) وأسوار يبنة وأشدود، ونصره الرب على العرب وسكان معون (معين)، وحصن أورشليم وبنى فيها أبراجا، وعظمت قوته وادعى أن يعمل عمل الكهنة بتقدمة البخور في الهيكل، فمنعه رئيس الكهنة وثمانون كاهنا، واضطر أن يخرج من الهيكل؛ لأن الرب ضربه بالبرص فاعتزل في بيته، وكان ابنه يوثام يدبر الملك إلى أن مات، ودفنوه في حقل مقبرة الملوك لا في مدافنهم. (11)
وخلفه ابنه يوثام ودام ملكه ست عشرة سنة، وأحسن المسعى وأصلح شيئا في بيت الرب ومات ودفن في مدينة داود. (12)
وخلفه ابنه أحاز وعمره عشرون سنة وملك ست عشرة سنة، واتفق على محاربته رصين ملك آرام وفاقح ملك إسرائيل، فجيشا وحصرا أورشليم فلم يقدرا أن يفتحاها ولا أن يقهرا أحاز، ولكن نكلا بشعب يهوذا، وأخذ رصين جما غفيرا أسرى إلى دمشق، وقتل فاقح في يوم واحد مائة وعشرين ألفا من بني يهوذا، وسبى مائتي ألف من النساء والبنين والبنات، ثم أطلق الأسرى لتهديد عوبيد النبي له، فأرسل أحاز إلى تجلت فلاصر ملك آشور يتذلل له ويستنجده، وأخذ ما وجد من الذهب والفضة في بيت الرب ودار الملك، وأرسلها إليه هدية، ولم يصغ لإرشاد إشعيا النبي بالامتناع عن استمداد ملك آشور الذي لبى دعوة أحاز وغشت عساكره سورية، وأخذ بعض مدن فلسطين وصعد إلى دمشق، فأخذها وسبى أهلها وقتل رصين ملكها، هذا ما جاء في الكتاب، وجاءت آثار تجلت فلاصر مصداقا له بأكثر تفصيل، فكان استنجاد أحاز بملك آشور وبالا عليه؛ لأنه اضطر أن يسلم إليه بلاده وأن يخضع لسلطته، ويؤدي إليه الجزية، وينصب مذبحا في هيكل الرب على هيئة مذابح الآراميين، وقدم عليه ضحايا لآلهتهم، فانتقم الله منه بتوفيه، ودفن في مدينة داود لا في مدفن الملوك. (13)
وخلفه ابنه حزقيا وكان عمره خمسا وعشرين سنة، وملك تسعا وعشرين سنة، وفي السادسة لملكه أخذت السامرة وجلا ملك آشور بني إسرائيل إلى بلاده، وانقرضت مملكة إسرائيل، وكان حزقيا مستقيما متشبها بداود جده، وكان أول مهامه وأجلها العناية بأمر الدين، ففتح الهيكل الذي كان مقفلا في أيام ابنه وحطم الأنصاب، وكسر تماثيل الآلهة الفونيقية، بل اتصل إلى أن سحق الحية النحاسية التي كان موسى قد أقامها في البرية؛ لأن بني إسرائيل كانوا يعبدونها عبادة وثنية خلافا لأمر الرب، واحتفى بعيد أول فصح وقع في أيامه، فجمع بني إسرائيل إلى أورشليم فعيدوا للرب سبعة أيام بحسب سنته، ومرض حزقيا فوافاه إشعيا النبي ينذره بالموت، فصلى إلى الرب وبكى، فأوحى الرب إلى إشعيا أن يعود إليه ويبشره بزيادة خمس عشرة سنة على عمره، وبإنقاذه أورشليم من شر ملك آشور، وحقق له ذلك برجوع الظل إلى الوراء عشر درجات، وجاء في سفر الملوك الرابع (فصل 1 عدد 7) أن حزقيا «تمرد على ملك آشور ولم يتعبد له»، فاحتدم سنحريب غيظا على حزقيا، وزحف بجيوشه إلى سورية، وكانت غزوته هذه سنة 701، وحاصر مدن يهوذا المحصنة وأخذها، فأرسل حزقيا يقول له: «قد خطئت فانصرف عني ومهما تضرب علي أنقده إليك.» فضرب عليه ثلاثمائة قنطار فضة وثلاثين قنطار ذهب، فأرسلها حزقيا إليه فلم يرض، بل طلب أن يدخل إلى أورشليم فأبى حزقيا الإجابة، وأرسل سنحريب يتهدده فخشع حزقيا إلى الرب وشجعه إشعيا النبي، فأرسل الرب في تلك الليلة ملاكه فقتل من آشور مائة وخمسة وثمانين ألفا، فاضطر سنحريب أن يقفل راجعا إلى نينوى، فقتله ابناه وجاءت آثار سنحريب مصداقا لما قاله الكتاب في هذا الشأن.
Unknown page