Muharrar Wajiz
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
Investigator
عبد السلام عبد الشافي محمد
Publisher
دار الكتب العلمية - بيروت
Edition Number
الأولى - 1422 هـ
الكسائي: هي «أو» وفتحت تسهيلا، وقرأها قوم «أو» ساكنة الواو فتجيء بمعنى بل، وكما يقول القائل:
لأضربنك فيقول المجيب: أو يكفي الله.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذا كله متكلف، واو في هذا المثل متمكنة في التقسيم، والصحيح قول سيبويه وقرىء «عهدوا عهدا» وقرأ الحسن وأبو رجاء «عوهدوا» وعهدا مصدر، وقيل: مفعول بمعنى أعطوا عهدا، والنبذ: الطرح والإلقاء، ومنه النبيذ والمنبوذ، والفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه، ويقع على اليسير والكثير من الجمع، ولذلك فسرت كثرة النابذين بقوله: بل أكثرهم لما احتمل الفريق أن يكون الأقل، ولا يؤمنون في هذا التأويل حال من الضمير في أكثرهم، ويحتمل الضمير العود على الفريق، ويحتمل العود على جميع بني إسرائيل وهو أذم لهم، والعهد الذي نبذوه هو ما أخذ عليهم في التوراة من أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وفي مصحف ابن مسعود «نقضه فريق» .
وقوله تعالى: ولما جاءهم رسول من عند الله، يعني به محمد صلى الله عليه وسلم، وما معهم هو التوراة، ومصدق نعت ل رسول، وقرأ ابن أبي عبلة «مصدقا» بالنصب، ولما يجب بها الشيء لوجوب غيره، وهي ظرف زمان، وجوابها نبذ الذي يجيء، والكتاب الذي أوتوه: التوراة، وكتاب الله مفعول ب نبذ، والمراد القرآن، لأن التكذيب به نبذ، وقيل المراد التوراة، لأن مخالفتها والكفر بما أخذ عليهم فيها نبذ، ووراء ظهورهم مثل لأن ما يجعل ظهريا فقد زال النظر إليه جملة، والعرب تقول جعل هذا الأمر وراء ظهره ودبر أذنه، وقال الفرزدق:
تميم بن مر لا تكونن حاجتي ... بظهر فلا يعيى علي جوابها
وكأنهم لا يعلمون تشبيه بمن لا يعلم، إذ فعلوا فعل الجاهل، فيجيء من اللفظ أنهم كفروا على علم.
وقوله تعالى: واتبعوا ما تتلوا الشياطين الآية، يعني اليهود، قال ابن زيد والسدي: المراد من كان في عهد سليمان، وقال ابن عباس: المراد من كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل الجميع، وتتلوا قال عطاء: معناه تقرأ من التلاوة، وقال ابن عباس: تتلوا تتبع، كما تقول: جاء القوم يتلو بعضهم بعضا، وتتلو بمعنى تلت، فالمستقبل وضع موضع الماضي، وقال الكوفيون: المعنى ما كانت تتلو، وقرأ الحسن والضحاك: «الشياطون» بالواو.
وقوله: على ملك سليمان أي على عهد ملك سليمان، وقيل المعنى في ملك سليمان بمعنى في قصصه وصفاته وأخباره، وقال الطبري: اتبعوا بمعنى فضلوا، وعلى ملك سليمان أي على شرعه ونبوته وحاله، والذي تلته الشياطين: قيل إنهم كانوا يلقون إلى الكهنة الكلمة من الحق معها المائة من الباطل حتى صار ذلك علمهم، فجمعه سليمان ودفنه تحت كرسيه، فلما مات قالت الشياطين: إن ذلك كان علم سليمان، وقيل: بل كان الذي تلته الشياطين سحرا وتعليما فجمعه سليمان عليه السلام كما تقدم، وقيل إن سليمان، عليه السلام كان يملي على كاتبه آصف بن برخيا علمه ويختزنه، فلما مات أخرجته الجن وكتبت بين كل سطرين سطرا من سحر ثم نسبت ذلك إلى سليمان، وقيل إن آصف تواطأ مع الشياطين على أن
Page 185