بسم الله الرحمن الرحيم
رَبِّ يَسِّرْ وتَمِّمْ، يا كريم
حرف الألف
١ - محمد بن أحمد الرَّقي
من ولد عبيد الله ابن قيس الرُّقيات، شاعر من شعراء ديار مضر، ومات بعد الثمانين والمائتين، وكان قطعت عليه الأعراب الطريق بحرّان ونواحيها، فدخل على أبي الأغرّ بالرَّبَذَة وقال: كامل
1 / 19
أنا شاكرٌ، أنا ذاكرٌ، أنا حامدٌ ... أنا جائعٌ، أنا راجلٌ، أنا عارِي
هي ستّةٌ وأنا الضمين لنصفها ... فكُن الضمين لِنصفها بعيارِ
إحْمِلْ وأطعِمْ واكْسُ، ثم لك الوفا ... عند اختيار محاسن الأخيار
فالعارُ في مدحي لغيرك فاكفني ... بالجود منك تعرُّضي للعارِ
وله أيضًا: طويل
أبا الفضل دعْنا من مناقب هاشم ... وما شاده في السالف المتقادمِ
أرى ألف بانٍ لا يقومُ لهادِم ... فكيف ببان خلف ألفُ هادمِ؟
٢ - محمد بن أحمد بن سليمان العمراوي
أبو عمرو الراوية، وهو القائل لعبيد الله بن يحيى بن خاقان،
1 / 20
رواهما له محمد بن داود بن الجرّاح، وغيره يرويهما، للزبير بن بكّار وهي: كامل
ما أنت بالسبب الضعيف وإنما ... نُجح الأمور بقوّة الأسبابِ
فاليوم حاجتُنا إليك، وإنما ... يُدعى الطبيبُ لساعة الأوصابِ
٣ - محمد بن أحمد المعروف بابن الحاجب
أديب، شاعر، وكان صديقًا لابن الروميّ وخِدْنًا له، واتفّق أن دعا ابن الرومي وأصدقاءه في يوم وعدهم إياه وعينه، فحضر ابن الرومي والجماعة في ذلك اليوم، فلم يجدوا ابن الحاجب في منزله، فرجعوا، وقال ابن الرومي قصيدة يعاتبه فيها، أوّلها: سريع
نجّاك يا ابنَ الحاجب الحاجبُ ... وليس ينجو منّي الهاربُ
فلما مات ابن الرومي، أظهر ابن الحاجب قصيدة ذكر أنه أجاب بها ابن الرومي، أوّلها: سريع
يا صاحبًا أعضلَ في كيْده ... لَسْتَ خبيرًا أيها الصاحبُ
فهمتُ أبياتك تلك التي ... أَثقب فيها كيدُك الثاقبُ
بيت وبيت عقرب تُتَّقى ... وأَرْيُ نَحلٍ في اللُّها ذائبُ
جرحتني فيها وداويتني ... فأنت أنت الصادع الشاعبُ
1 / 21
٤ - محمد بن أحمد، أبو عبد الله اليَشْكُريّ
قال يمدح عبد الله بن محمد بن نوح، صاحب خراسان لما أوقع بالديلم: كامل
قَرَّتْ بِفَتْحِكَ أَعْيُنُ الأمصار ... فنسيمُه كالمسكِ في الأقطارِ
وتأزّر الإسلامُ منه شُقَّةً ... شقَّت شِقاقَ الكُفر في الكُفَّارِ
لما نزلتَ على الدَّيَالمِ أيْقَنَتْ ... أعمارُها بتقاصر الأعمارِ
وتجرّعوا لي أكوسًا من وقعةِ ... ممزوجة من لَذْعِها ببَوارِ
لمّا ألاحَ بسيفه نادى الهُدَى ... عنه بصوت النافع الضَّرارِ
ألحَقُّ أبْلَجُ، والسيوف عوارِي ... فحذارِ من أُسْد العرينِ حذارِ
ملك يجلّ عن الشبيه وإنّه ... لهو الفَرِيْد الفذُّ في الأحرارِ
٥ - محمد بن أحمد الكناني العَسْقَلاني أبو نصر
شاعر مذكور في وقته وقطره، وهو القائل: بسيط
تركتْني رحمةً أبكي، ويُبْكَى لي ... تُراك أَفكرتَ يومَ البين في حالِي؟
1 / 22
أذاب فقدُك أوصالي فلو خرجتْ ... نفسي لما علمتْ أوصالي
قد جاءَ بعدَك عُذّالي فما برحوا ... حتّى بكى لي مع الباكين عُذّالي
وله: خفيف
كلُّ شيءٍ يبلَى، وحبُّك باقي ... علم اللهُ عِلْمَ ما أنا لاقِي
كنتُ يوم الفراق جَلْدًا وإلاَّ ... فلماذا بقيت يوم الفراقِ؟
ليت أنّى وقت العناق أتاني ... أجَلٌ ضمَّني بِضَمّ العناقِ
ليس موتُ العُشّاق أمرًا بديعًا ... كم مَضَى هكذا من العُشّاقِ
٦ - محمد بن أحمد الإفريقي أبو الحسن المُتَيَّم
صاحب كتاب " أشعار الندماء "، وكتاب " الانتصار للمتنبي "، شاعر مكثر، وله ديوان شعر كبير، وكان مقيمًا ببخارى، وصورته شيخٌ رثّ الهيئة، تلوح عليه سيما الحرفة، وكان يتطيب ويتنجّم
1 / 23
ويرتزق بالشعر، فمن شعره قوله: بسيط
وفتية أدباءٍ ما علمتهُم ... شبّهتهم بنجوم الليل إذ نجمُوا
فرُّوا إلى الرَّاحِ من خَطْبٍ يلمُّ بهم ... فما درت نُوَب الأيَّام أين همُ
وله: طويل
تلومُ على ترك الصلاة حَليلتي ... فقلتُ: اغْرُبي عن ناظري أنتِ طالقُ
فواللهِ لا صلّيْتُ للهِ مفلسًا ... يصلّي له الشيخُ الجليلُ وَفائقُ
وتاشٌ وبَكْتاش وكنتاش بَعدَه ... ونصر بن مَلْك، والشيوخ البطارقُ
وصاحب جيش المشرقَين الذي له ... سراديبُ مالٍ حَثْوها لي شائقُ
ولا عَجَبٌ إنْ كان نوحُ مصلّيًا ... لأنَّ له قَسْرا تدين المشارِقُ
لماذا أُصلّي أين مالي ومنزلي؟ ... وأين خُيولي والحُلى والمناطِقُ
1 / 24
وأين عَبيدي كالبدور وُجُوههم؟ ... وأي جَوَارِيّ الحِسَانُ العواتقُ؟
أُصلِّي ولا فِترُ من الأرض يَحْتوي ... عليهِ يميني؟ إنني لَمُنافِقُ
تركتُ صلاتي للذين ذكرتهم ... فمن عاب فعلي فهو أحمق مائقُ
بَلى، إنْ عليَّ وسَّعَ الله لم أزلْ ... أُصلي له ما لاح في الجوِّ بارقُ
وإنَّ صلاة السَّيِّئِ الحَالِ كلّها ... مَخارقٌ ليستْ تَحتَحُنَّ حَقائقُ
وله: مجزوء الرمل
وصديق جاءني يسْ ... ألُني مَاذا لديكْ؟
قلتُ: عندي بَحر خمر ... حَولهُ آجام نيك
ومن ملحه في غلام تركي: سريع
قلبي أسيرٌ في يديْ مقلة ... تُرْكيّة ضاق بها صدري
كأنها مصن ضيقها عُروة ... ليس لها زرٌ سوى السِّحْرِ
وله: منسرح
قد أكثر الناس في الصفاتِ وقد ... قالوا جميعًا في الأعيُنِ النُّجلِ
وعَيْن مولايَ مثل موعدِه ... ضيِّقةً عن مَرَاوِد الكُحلِ
1 / 25
٧ - محمد بن أحمد بن العلوي الأصبهاني المعروف بابن طَبَاطَبَا
شيخ من شيوخ الأدب، وله كتب ألّفها في الآداب والأشعار، وكان نزيل أَصبهان، وعاش بعد الثلاثمائة بكثير، وأكثر شعره في الغزل والآداب، وهو القائل: خفيف
لا وأُنسي وفرحتي بكتابٍ ... أنا منه في حُسن أضحى وفِطْر
ما دَجَا ليلُ وحشتي قطّ إلاّ ... كنتَ لي فيه طالعًا مِثل بَدْرِ
بحديثٍ أهيمُ لِلأنس شوقًا ... ولِئامٍ يَكُفُّ لوعةَ صَدري
وله يصف القلم: كامل
وله حسامٌ باترٌ في كفِّهِ ... يمضي لنقضِ الأمر أو توكيدِهِ
ومترجِم عما يُجنُّ ضميرهُ ... يجري بحِكمتِه لدى تسويدِهِ
قلَمٌ يدورُ بكفِّه فكأنه ... فَلَكٌ يدورُ بنحسِه وسُعودِهِ
٨ - محمد بن أحمد المعصومي
أديب، فقيه، شاعر، يقول في خُوَارَزْم شاه مأمون بن
1 / 26
مأمون: كامل
يا أيُّها المَلِكُ الذي انْقَادَتْ لَهُ ... جَمَحَاتُ هذا الدَّهْرِ بعد شِمَاسِ
لك هِمَّةٌ في المجدِ مَأمُونِيّةٌ ... أَعْيَتْ سَمِيَّكَ من بَني العَبَّاسِ
ذُو راحَةٍ حَكَمَتْ لحاتِم طيٍّء ... ولخالِدٍ في الجُود بالإفْلاسِ
لم يُلْهِهِ عَن ضَبْطِ حَوْزَةِ مُلْكِهِ ... سُكْرُ الشبابِ ولا حُمَيَّا الكاسِ
وَلْيَهْنِكَ المُلْكُ الذي أُلْبِسْتَهُ ... يا خَيْرَ لَبَّاسٍ لِخَيْرِ لِبَاسِ
فاللهُ لم يَبْعَثْكَ إلاّ رَحْمَةً ... مَبْسُوطةً لِلنّاس بعد النّاسِ
وله فيه: متقارب
لهُ مَخَّضَ الفَلَكُ المستَديرُ ... فكان هو الزُّبْدُ إذ مُخِّضا
هو المَلِكُ الأوحَدُ المُرْتضى ... ومَنْ مِنْ سَنا نُورِهِ يُستَضا
فلا زلت تُعنى بتصْحيحِ ما ... منَ المُلْكِ غيرَكَ قد أمْرَضا
ولا زلتَ ناصرَ دين الإله ... وسيْفًا على خَصمِهِ مُنتَقى
٩ - محمد بن أحمد الورَّاق الجرجاني، أبو الحسن
كان يتشيّع، وله أشعار يمدح بهل الطالبيين، وهو القائل لليلى بن نعمان الديلمي، الخارج بنيسابور في سنة ثمان وثلاثمائة، فقتله أصحابُ نصر
1 / 27
ابن أحمد، وأنفذوا رأسه إلى الحفرة، قال المرزباني: " ورأيته في سنة تسع وثلاثمائة "، له قصيدة أوّلها طويل:
أَلا خَلِّ عينيك اللَّجوجَين تَدمَعا ... لِمُؤْلِم خَطْبٍ، قد ألمَّ فأوجعا
وليس عجيبًا أن يدومَ بُكاهُما ... وأن يَمتري وجْدَيهما الوجدُ أجمعا
فقال فيهما:
ولمّا نعاه الناعيات تبادرتْ ... عليه عيونُ الطالبيين هُمَّعا
لقد غال منه الدهرُ ليثَ حفيظة ... وغيثًا إذا ما أَكْدَت الأرض مُمْرِعا
بكته سيوفُ الهند لما فقدنَه ... وأضحت جياد الخيل حَسرى وظُلعا
وكان قديما يُرتِع البيضَ في الطُّلى ... فأصبح للبيض المباتِير مَرْتعا
وما زال فرَّاجًا لكل عَظيمةٍ ... يَظَلُّ لها قلبُ الكَمِيِّ مُرَوَّعَا
فلمْ يُرَ إلا في المَعَالي مُشَمِّرًا ... ولم يُلْفَ إلا في المَكارِمِ مَوضِعَا
أُصِيبَ به آل الرَّسول فأصبحُوا ... خضوعًا وأمسى شعبُهُم مُتصدِّعًا
1 / 28
لقد عاش محمودًا كريمًا فعَالُه ... ومات شهيدًا يومَ وَلّى فَوَدَّعَا
وقد ثَلَم الدّهُر العلاءَ بموته ... وأَوهَنَ رُكْنَ المجدِ حتى تضعضَعا
فلا حَمَلتْ من بَعْد ليلى عقيلةٌ ... ولا أَرْضَعَتْ أُمٌّ بِذا الدهر مُرضَعا
١٠ - محمد بن أحمد الحفصوي الإمام
شاعر خراساتي، ذكره صاحب " الوشاح " وأنشد له قوله يهجو: رجز
تَرْخُسُ؟ عن حَلْي المعالي، عُطْلُ ... وعن سِمَات المَكْرُمَاتِ غُفْلُ
لم يَبْقَ فيها اليومَ إلاّ ثُفْلُ ... قاضٍ خبيثٌ، ورئيسٌ عَبْلٌ
وله في شرف الدين أبي طاهر: طويل
سلامٌ على صدر الوَزارة طاهر ... أبي طاهر شمس العُلى والمآثر
على مُشتري يُمْنٍ وزُهرَةَ شِيْمَةٍ ... وكَيْوان مقدارٍ وبهرام خاطرِ
مبارك آثارٍ، ومحمود خِبرةٍ ... ومَسْعود إنجاح، ومَيْمون طائرِ
1 / 29
١١ - محمد بن أحمد الكاتب البصري، أبو عبد الله
المنبوز بالمُفَجَّعِ ولُقّب بذلك ببيت قاله وهو شاعر مكثر، عالم، أديب، صاحب كتاب " الترجمان " و" المنقذ " وغيرهما.
وتوفي قبل الثلاثين والثلاثمائة، وهو القائل في أبي الحسن محمد بن عبد الوهّاب الزَّينَبي الهاشمي يمدحه كامل:
للزَّينَبيِّ على جلالة قدره ... خُلُقٌ كقَطْرِ الماء غيرُ مُزنّدِ
وشهامةٌ تُقْصِي اللُّيُوثَ إذ سَطا ... ونَدىً يُغَرِّقُ كلَّ بحرٍ مُزْبِدِ
يحتلُّ بيتًا في ذُؤابةِ هاشمٍ ... طالتْ دعائِمُهُ محلَّ الفَرْقَدِ
حُرٌّ يَروحُ المستميحُ ويغْتدي ... بمواهِبٍ منه تروح وتغتدي
وإذا تحيَّفَ مالَهُ إعْطاؤهُ ... في يومه نهك البقِيَّةَ في غَدِ
1 / 30
بضِياءِ سُنَّتِهِ المكارِمُ تهْتدِي ... وبجودِ راحتِهِ السَّحائِبُ تقتدي
مِقدارُ ما بيني وما بينَ الغِنى ... مِقدارُ ما بيني وبين المِرْبَدِ
وكان صاحب ابن دُريْد القائم مقامه بالبصرة قي التأليف والإملاء، وفيه قيل: مجزوء الكامل
إنَّ المُفَجَّعَ وَيْلهُشَرُّ الأوائِلِ والأواخِرْ
ومن النَّوادرِ أنَّهُ ... يُمْلِي على الناس النَّوادرْ
وشعره قليل جدًا، وديوانه كثير الحلاوة، ويكاد يقطر منه ماء الظّرْفِ، حكى أبو بكر الخوارزمي قال: قال لي اللحام: أنشدني المفجّع لنفه: خفيف
لِيَ أَيْرٌ أَراحَني الله منه ... صارَ هَمّي به عَريضًا طَويلا
نام لمَّا رأى الحبيب عَيانًا ... ولعهدى به ينيك الرَّسولا
حُسِبَتْ زَوْرةٌ عليَّ لِحَيْني ... وافترقنا وما شَفَيْتُ غليلا
وللمفجَّع في غلام له اسمه أبو سَعْد: خفيف
زفراتٌ تَعْتادُني عند ذِكْرَا ... ك وذكراك ما تريمُ فؤادي
وسروري قد غاب عني مذ غِبْ ... تَ فهل كنتما على ميعادِ؟
1 / 31
حاربتني الأيامُ فيكَ أبا سَعْ ... دٍ بسيف الهَوى وَسهْمِ البِعادِ
ليس لي مَفزَعٌ سوى عَبراتٍ ... من جفونٍ مكحولةٍ بالسُّهادِ
في سهادي لِطول أُنسي بذكرا ... كَ اعتياضٌ من الكَرى والرُّقادِ
وبحسْبي من المصائب أني ... في بلادٍ وأنتمُ في بلاد!
وله: هزج
أَلا يا جامع البَصْر ... ة لا خرَّبَك الله
وأسقى صحنَك الغَيْثُ ... من المُزْنِ فَروَّاهُ
فكم من عاشقٍ فيك ... يرى ما يتمناه
وكم ظبيٍ من الإنس ... مَليحٍ فيك مرْعاهُ
نصبنا الفخَّ بالعِلم ... له فيك فَصِدْناه
بقرآنٍ قرأناهُ ... وتفسير رويْنَاهُ
وكم من طالبٍ للشِّع ... رِ بالشعر طلَبْناه
فما زالتْ يَدُ الأيَّا ... م حتى لان مَتناهُ
وحتى ثُبِّت السَّرْجُ ... عليه فركِبْناهُ
أَلا يا طالِب الأمْر ... د كَذِّبْ ما ذكرناهُ
فلا يُغْرُرْكَ ما قلنا ... فما بالجِدِّ قلناهُ
ولو كان من البُغْض ... يزنِّي حين تلْقاهُ
فزُجَّ الدِّرهم الضَّرْب ... إليه يتلاقاه
فبالدِّرهم يُستنز ... لُ ما في الجوّ مأواه
وبالدرهم يُستخر ... جُ ما في القفر مَثواهُ
1 / 32
وله في غلام مُغَنِّ جُدِّرَ فازداد حُسنًا: سريع
يا قَمَرًا جُدِّر حين استوى ... فزادَهُ حُسنًا وزادت همُومْ
كأنّما غنّىَ لِشمسِ الضُّحى ... فَنَقَّطَتْهُ طَرَبًا بالنُّجُومِ
ومن هجوه: سريع
فَسَا على قَوْمٍ فقالوا لهُ: ... إن لم تَقُمْ من بَيْننِا قُمنا
وقال: لا عُدْتُ! فقالوا له: ... من نَتْنِ فيهِ: ذاك ما كُنّا
وله: وافر
أداروها ولِلَّيْل اعْتِكارُ ... فخِلْتُ اللّيلَ فاجأهُ النّهارُ
فقلتُ لصاحبي والليلُ داجٍ: ... ألاحَ الصُّبح أم بدت العُقَارُ؟
فقال: هي العُقَار تدَاولوهَا ... مُشَعْشَةً يطير لها شرارُ
فلولا أنّني أمتاحُ منها ... حلَفْتُ بأنها في الكأس نارُ
وذكره أبو محمد عبد الله بن أبي القاسم عبد المجيد بنُ بُشْران بن إبراهيم بن العباس بن محمد بن العباس بن محمد بن جعفر الأهوازي في تاريخه فقال: ففيها - يعني سنة سبع وعشرين وثلاثمائة - توفي أبو عبد الله كل محمد أبن أحمد بن عبد الله المفجّع الكاتب الشاعر، وكان شاعر البصرة وأديبها، وكان يجلس في الجامع بالبصرة، فيُكتَب عنه ويُقرَأ عليه الشعر واللغة والمصنفات، وامتنع من الجلوس مدة لسبب لحِقَهُ من بعض من حضره، فخُوطب في ذلك فقال: " لو استطعت أن أُنسيهم أسماءهم لفعلت " وشعره
1 / 33
مشهور، فمنه وقد دامت الأمطار وقطعت عن الحركة، قوله: مجزوء بسيط:
يا خالق الخلق أَجمعينا ... وواهب المال والبنينا
ورافعَ السَّبْعِ فوق سَبْع ... لم تستعن فيهما مُعينا
ومن إذا قال: كُنْ لشيءٍ ... لم تقع النون أو يكونا
لا تسقِنا العام صوب غيثٍ ... أكثر من ذا فقد رَوينا
وله في يخاطب أبا عبد الله البريديَّ، وقد أعاد عليه ذكر سبب مجزوء الخفيف.
قُل لِمن كان قد عفا ... عن ذنوب المُفَجَّعِ
لا تُعِدْ ذِكْر ما مضَى ... مَن عَفا لم في يُقَرِّعِ
وله وقد سأال بعض أصدقائه إيصال رُقعةٍ وشعر له بتهنئة في مهرجان إلى بعضهم، فقصَّر حتى مضى المهرجان: كامل.
إن الكتاب وإِن تضمَّنَ طيُّه ... كنْهَ الفصَاحة كالفصيح الأخرس
وإذا أعانته عناية حاملٍ ... فجوابه يأتي بنجح منفس
وإذا الرسول ونى وقصَّر عامدًا ... كان الكتاب صحيفة المتلمِّس
قد مات يوم المِهرجان فذكره ... في الشعر أبرد من سخاء المفلِس
فسئل عن سخاء المفلس فقال: يعِد في إِفلاسه بما لا يفي به عند إمكانه، قال وأنشدني أبو عبد الله الاذوائي قال: دخل يومًا إلى القاضي
1 / 34
أبي القاسم علي بن محمد التَّنُوخي، فوجده يقرأ " معاني الشعر " على العُبَيسي فقال: رجز.
قد قُدِّم العُجْب على الرُّويْس ... وشارف الوهْدُ أبا قُبَيْس
وطاول البَقْل فروع الميس ... وهَبَّت العنز لقرع التيس
وادَّعت الرُّوم أبًا في قيس ... واختلط الناس اختلاط الحيس
إذْ قرأ القاضي حَليف الكيْس ... " معاني الشعر " على العُبيسي
وألقى ذلك إلى التنوخيِّ وانصرف، قال: وكان أبو عبد الله الاكفاني راويته، وكتب لي من مليح شعره شيئًا كثيرًا، قال: ومدح أبا القاسم التنوخي فرأى منه جفاءً فكتب إليه: منسرح
لو أعْرض الناس كلُّهم وأبوْا ... لم ينقُصوا رزقي الذي قُسما
كان ودادٌ فزالَ وانصرما ... وكان عهد فبان وانهدما
وقد صحِبنا في عصرنا أُممًا ... وقد فقدنا من قبلهم أمما
فما هلكنا هزلا ولا ساخت ال ... أَرض ولم تقطر السماء دما
في الله من كل هالكٍ خلفٌ ... لا يرهب الدهر من به اعتصما
حرٌّ ظنَّنا به الجميل فما ... حقَّق ظنًَّا ولا رعى الذمما
فكان ماذا؟ ما كلُّ معتمد ... عليه يرْعى الوفاء والكرما
غلطت، والناس يغلطون وهل ... تعرف خلقًا من غلطة سلما؟
من ذا يخطي السَّداد فيه فلم ... يعرف بذنب ولم يزل قَدَما!
شلَّت يدي لِمْ جلست عن تفهٍ ... أكتُب شجوي وأمتطي القَلَما؟
يا ليتني قَبْلَها خرست فلَمْ ... أُعمِل لسانًا ولا فتحت فَما
1 / 35
يا زلَّةً ما أُقِلْت عَثْرتَهَا ... أَبْقَتْ على القلْب والحَشا أَلَمَا
يا ربّ يا رب لا أَعودُ لَهَا ... إن عدت فاشعر مسامعي صَمَمَا
مَنْ راعَهُ بالهَوان صاحبُهُ ... فعاد فيه فَنَفَسه ظلَما
وله مجزوء البسيط
أَظْهرْتُ للرِّئم بعض وجدي ... وإنما الكوت ما سَترْتُهْ
وقلتُ: حُبِّيك قد براني ... فقال: دعه بذا أَمرْتُهْ
وله قصيدته " ذات الأشباه " وسميت بذات الأشباه لقصده فما ذكره فيها من الخبر الذي رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزُّهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله (وهو في محفل من أصحابه: " إن أحببتم أن تنظروا إلى آدم في عِلْمِه، ونوح في فهمه، وإبراهيم في خُلُقه، وموسى في مناجاته، وعيسى في سِنِّه، ومحمد في هَدْ يه وحِلْمه، فانظروا إلى هذا المُقبِل "، فتطاول الناس، فإذا هو علي بن أبي طالب ﵇، فأورد المفجع ذلك في قصيدته، وفيها مناقب كثيرة، وأوّلها: خفيف
أيها اللائمي لحُبي علِيًا ... قُم ذميمًا إلى الجحيم خزياَّ
أبخير الأنام عرَّضْت لا زلْ ... ت مذودًا عن الهُدى مَزْويَّا
أشبه الأنبياء كهْلًا وزوْلًا ... وفطيمًا وراضِعًا وغذيَّا
كان في عِلمِه كآدم إذ عُ ... لِّم شرْح الأسماء والمكْنِيَّا
وكنوحٍ نجّى من الهُلْك مَنْ سَيّ ... رَ في الفُلْك إذ عَلا الجوديَّا
1 / 36
وجفا في رضا الإله أباهُ ... واجتواه وعدَّه أجنبيَّا
كاعْتزال الخليل آزر في ال ... له وهجرانه أباه مَلِيَّا
ودعا قومَه فآمن لوطٌ ... أقربُ الناس منه رحْمًا وريَّا
وعَليّ لمَّا دعاهُ أخُوه ... سَبق الحاضرين والبدويَّا
وله من أبيه ذي الأيد إسما ... عيل شِبْهٌ ما كان عنّي خفيَّا
إنه عاون الخليل على الكع ... بة إذْ شاد ركنها المبنيَّا
ولقد عاون الوصيُّ حبيب ال ... له إذ يغسلان منها الصفيَّا
رام حمل النبي كي يقلع الأص ... نام من سطحها المثول الحُبيَّا
فحناه ثقل النبوة حتى ... كاد ينآد تحته مثنيَّا
فارتقى منكِب النبي عليٌّ ... صِنْوُه ما أجلَّ ذا المرتقيَّا
فأماط الأوثان عن ظاهر الكع ... بة ينفي الأرجاس عنها نفيَّا
ولو أن الوصيَّ حاول مسَّ الن ... جْم بالكفِّ لم يجدْه قصيَّا
أفهل تعرفون غير عليٍّ ... ابنه استرحل النبي مطِيَّا؟
ومن مُلِح المفجع المشهورة قوله لإنسان أهدى إليه طبقًا فيه قصب السكر والأترنج والنارنج، قال الثعالبي: وأراه أبا سعدٍ غلامه: مجزوء الرمل
إنَّ شيطانك في الظَّرْ ... فِ لشيطانٌ مريد
فلِهاذا أنت فيه ... تبتدي ثم تعيد
1 / 37
قد أتتنا تحفة مِن ... ك على الحسن تزيد
طبقٌ فيه قدودٌ ... وخُدودٌ ونُهود
وقوله: خفيف
سيّدي أنت إن عبدك أمسى ... خافقًا قلبه خفوق الجناح
فاغتنم غفل الرّقيب وزُرْه ... في رداء من الدُّجى ووشاح
وشعر أبي عبد الله المفجع حسن، وكان يومًا بالأهواز جالسًا مع جماعة، فاجتاز به غلام لموسى بن الطيب نديم أبي عبد الله البريدي يقال له طريف وهو أمردٌ مليح، فسأل المفجع عنه، فقيل له: هذا غلام نديم البريدي، فقال: المنسرح
اجتاز بي اليوم في الطريق فتى ... يختال في مورق من البان
فقلت: من ذا؟ فقال لي خبِرٌ ... بالأمر: هذا غلام صفعان
ولأبي عبد الله في جماعة من أهل الأهواز مدائح كثيرة، وأهاج وله قصيدة في أبي عبد الله بن درستويه يرثيه وهو حي ويلقبه بدهن الآجر، قال: وكان أبو عبد الله المفجع يكثر عند والدي ﵀ ويطيل المقام عنده، وكنت أراه عنده وأنا صبي بالأهواز، وله إليه مراسلات، وله فيه مدائح كثيرة كنت جمعتها فضاعت أيام دخول
1 / 38