Muhammad Cali Jannah
القائد الأعظم محمد علي جناح
Genres
سياسة القديس وسياسة القائد
بدأت سنة 1915 بمرحلة جديدة في حياة جناح العامة كما أسلفنا في ختام فصل سابق، وهي المرحلة التي وضح فيها لجناح أن هيئة المؤتمر لا تكفي وحدها لخدمة القضية الهندية، وأن الاعتماد على هيئتين اثنتين أمر لا مناص منه في هذه المرحلة.
لكن رد الفعل الذي طرأ من جراء هذا التحول لم يتجه بتفكير القائد الأعظم أول الأمر إلى التباعد وتوسيع الشقة بين الهيئتين، بل كثيرا ما كان رد فعله اجتهادا في التوفيق والتقريب ومبالغة في الإغضاء والمسامحة رأبا للصدع، ومنعا للفتنة وتوتر الأعصاب من الجانبين، فاحتمل جناح في هذه المرحلة ما لم يكن يحتمله من قبل وفعل ما لم يكن يفعل، وأيد أشد الغلاة في موقفهم أمام الدولة البريطانية، ومنهم أتباع طيلاق الذي كان يجهر بأن الحركة القومية في الهند تحارب الدخلاء الهنود، ويعني بهم المسلمين، كما يحارب الدخلاء الإنجليز.
وظل البراهمة إلى سنة 1921 يهتفون باسم رسول الوحدة جناح، ويعترفون له بالفضل في التوفيق والتقريب، وأعربوا عن اعترافهم هذا ببناء قاعة في بومباي أطلقوا عليها اسم قاعة جناح، ونقشوا على حجر الأساس فيها عبارة فحواها أن هذه القاعة «بنيت تقديرا للسيد جناح؛ اعترافا بخدماته الخالدة لقضية الهند في سنة 1918.» وافتتحتها الشاعرة الهندية سروجيني نايدو، وأبرقت إليه وكان في باريس تقول: «لقد عرفت الأمة فضل الرسول في حياته.»
وقد لبث جناح سنوات طوالا بعد سنة 1915 وهو يلخص وظيفة العصبة الإسلامية باقتداره المعهود على تحديد العبارات؛ فيقول لمن يناقشه في وجودها: إذا كان المؤتمر هو حكومة المستقبل؛ فالعصبة هي المعارضة الدستورية التي لا بد منها ولا ضير فيها.
غير أن الخلاف - كما ألمعنا في هذه الصفحات آنفا - لم يكن مداره كله على الضمانات الإسلامية، بل كان مع هذا وأهم من هذا خلافا بين عقليتين ومنهجين ومزاجين، كان خلافا بين سياسة القديس النبي وسياسة القائد العامل، سواء في القضية الهندية العامة أو في قضيتي البرهميين والمسلمين منعزلتين .
كان غاندي يبشر بمقاطعة الصناعة العصرية ومقاطعة المدارس ومقاطعة الوظائف ويحارب الإنجليز «بالاهمسا»، ويفرضها جاهدا على أتباعه وهم يعملون بها تارة وينقضونها تارة أخرى.
وكان جناح يؤمن بأن مقاطعة الصناعة ضربة للحياة الاقتصادية في الهند تصيبها كما تصيب بريطانيا العظمى، بل ربما كانت الإصابة الهندية أفدح وأخطر من الإصابة البريطانية.
وكان يقول: إن إقامة مصنع جديد إلى جانب المصنع القديم أنفع من ألف مغزل في المدينة والقرية، وإذا لاحظنا أن المصانع الهندية كانت، أو كان معظمها، ملكا للبرهميين دون المسلمين، تبين أن الرجل إنما كان ينظر إلى مصلحة الجميع، ولا يقصر نظره في مناهضة غاندي على مصلحة المسلمين.
وكان يسأل: ماذا يصنع الطالب إذا لم يتعلم؟ وماذا يفيد الهند من إخلاء الدواوين من الوطنيين وتسليمها جملة واحدة للغاصبين؟
Unknown page