الوادي.
أشرفوا على جانبه وقد طلب القمر من ثنايا الجبل، فظهرت صخوره الباسقة شامخة كصفوف القوم، وبانت غابة الأرز بين تلك البطاح كأنها وسام مجد أثيل،
2
علقته الأجيال الغابرة على صدر لبنان.
ظلوا سائرين، وأشعة القمر تلمع على أسلحتهم، والكهوف البعيدة تردد تهاليلهم، حتى إذا بلغوا جبهة العقبة أوقفهم صهيل حصان واقف بين الصخور الرمادية كأنه جزء منها، فاقتربوا منه مستطلعين وإذا بجثة هامدة ملقاة على أديم التراب
3
المختلط بنجيع الدماء،
4
فصرخ زعيم القوم قائلا: «أروني سيف الرجل لأعرف صاحبه.» فترجل بعض الفرسان، وأحاطوا بالصريع مستفسرين، وبعد هنيهة التفت أحدهم إلى الزعيم وقال بصوت أجش: «لقد عانقت أصابعه قبضة السيف فمن العار أن أنزعه.» وقال آخر: «لقد تجمدت الدماء على الكف والقبضة، وأوثقت الشفرة بالزند فصيرتهما عضوا واحدا.»
فترجل الزعيم واقترب من القتيل قائلا: «أسندوا رأسه ودعوا أشعة القمر ترينا وجهه.» ففعلوا مسرعين، وبان وجه المصروع من وراء نقاب الموت ظاهرة عليه ملامح البطش والتجلد، وجه فارس قوي يتكلم صامتا، وجه متجهم فرح، وجه من لقي العدو عابسا، وقابل الموت باسما، وجه بطل حضر معركة ذلك النهار، ورأى طلائع الاستظهار، ولكنه لم يبق لينشد مع رفاقه أناشيد الظفر.
Unknown page